السؤال
السادة العلماء الأفاضل:هل صراعنا مع اليهود صراع ديني استشهادا بالآية الـ 82 من سورة المائدة بقوله تعالى : لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا [المائدة:82]، وإذا كان كذلك ما الحكمة من حوار الأديان الذي يقام هذه الأيام، مع العلم بأن الحوار لا بد أن ينتج عنه تليين في المواقف والمعلوم أن الأديان ثابتة لا تتغير؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاليهود وغير اليهود من أهل الكفر، منهم المحارب ومنهم غير المحارب، ولكل واحد منهما في الشرع ما يناسبه من الأحوال والأحكام، والأصل في ذلك قوله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين* إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون {الممتحنة:8-9}، وعليه، فإنه لا حرج في البر والإحسان إلى الكافر غير المحارب، والتصدق عليه وإسداء أنواع المعروف إليه، دون موالاة ومحبة له بالقلب، فهذا إنما يكون لله ورسوله والذين آمنوا وحسب، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 59983، كما سبق بيان هدي الشرع في معاملة غير المسلمين وضوابط العلاقة بين المسلم وغيره، وذلك في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19652، 47321، 9896.
والصراع الذي ذكره السائل الكريم، سواء كان في صورة حرب أو فكر أو أي نوع من أنواع العداوة، ينبغي أن يكون مبنيا على عقيدة، فالمسلم إن قاتل فإنه يقاتل في سبيل الله؛ لتكون كلمة الله هي العليا، وإن عادى فإنه يعادي أيضا في الله، كما أنه يحب في الله، ويوالي في الله، وعليه فصراع المسلمين مع اليهود وغيرهم من أهل الملل الباطلة صراع على أساس ديني، فإن المسلم إنما يوالي ويعادي ويحب ويبغض في الله ولله، وهذا هو أوثق عرى الإيمان، كما روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب، قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي عرى الإسلام أوسط؟ قالوا: الصلاة. قال: حسنة وما هي بها، قالوا: الزكاة، قال: حسنة وما هي بها. قالوا: صيام رمضان. قال: حسن وما هو به. قالوا: الحج، قال: حسن وما هو به. قالوا: الجهاد. قال: حسن وما هو به، قال: إن أوسط عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله. وحسنه الألباني بطرقه. وهذه هي عقيدة الولاء والبراء، التي سبق لنا بيان المقصود بها في الفتوى رقم: 32852، كما سبق أيضا بيان أن بغض الكفار غير المحاربين لا يعني عدم البر والقسط إليهم، وذلك في الفتوى رقم: 99348.
وأما قضية حوار الأديان فقد أجمل الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- القول فيها فقال: ظهرت في الآونة الأخيرة مقولة: حوار بين الأديان، وهي فكرة لاقت رواجا، وصار يعقد لها لقاءات ومؤتمرات، وهي فكرة خطيرة يجب التأمل فيها وفي أهدافها على النحو التالي:
1- إن كان المحاورون يؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ويؤمنون بما أنزل عليه من ربه، وجب عليهم اتباعه وترك ما هم عليه، لأنه صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى العالمين كافة، قال تعالى: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا. والرسول يطاع ويتبع.
2- إن كانوا لا يؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وكان الهدف من الحوار معهم بيان بطلان ما هم عليه ودعوتهم إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعه، فهذا الحوار مشروع، وقد جاء به القرآن الكريم: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله... الحديث.
3- إن كانوا لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا يقبلون الدعوة إلى الإسلام، بل يريدون منا أن نعترف بصحة دينهم ونوافقهم عليه، فإنه لا يجوز الحوار معهم لعدم الجدوى منه، ولما في ذلك من إقرار الباطل، وهم لا يكفون عن شرهم وعداوتهم للمسلمين ولا يرضون إلا أن نترك ديننا وندخل في دينهم: وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا. ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق. والذين يدعون إلى الحوار منهم هم الذين يقتلون المسلمين شر قتله الآن ويشردونهم من ديارهم: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم. اه من (البيان لأخطاء بعض الكتاب)..
وقد سبق في الفتوى رقم: 77730. أن المقصد بحوار الأديان إن كان هو التقريب والوحدة بينها، فإن ذلك لا يجوز شرعا ولا يصح عقلا، ومن يدعو إلى ذلك يجب أن ينبذ ويحذر منه، وأما قوله تعالى: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون {المائدة:82}، فقد سبق تفسيرها في الفتوى رقم: 28378.
والله أعلم.