السؤال
الشكر أولا الى علمائنا المسلمين وكل من يساهم في هذا الموقع المفيد.في موقع (حلول)على الإنترنت وهو موقع إسلامي بإشراف فضيلة الشيخ الدكتور عبد العزيز بن عبدالله الأحمد, وأنا أتصفح في الموقع قرأت عن الاضطرابات النفسية و أنواع الانحرافات الجنسية, وعند قراءتي عن انحراف جنسي يسمى جماع الأموات. والعياذ بالله, مكتوب في الموقع أن هذا الانحراف الجنسي أنه من الأكثر الانحرافات ندرة, وهنا يتجه الرجل إلى جماع السيدات بعد وفاتهن ويتفق هؤلاء المنحرفون مع حارس المقابر على هذه العملية, بل وأحيانا ما يقتل المريض ضحيته ثم يجامعها بعد وفاتها, وهذا الانحراف مزيج من السادية والفينيشية والاندفاعية القهرية.
سؤالي: هل يجب علينا نحن المسلمين أن ننبه حراس المقابر على هؤلاء المنحرفين؟ أو عند كل دفن شخص مسلم يجب علينا مراقبة المقبرة وحارسها ؟ وهل أصلا لكل المقابر الإسلامية لديها حارس مقبرة؟ أليس من الأفضل والآمن عند دفن المسلم أن نعمق في القبر ونبني فوقه؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالبناء على القبور مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه. رواه مسلم.
بل لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسوية القبر المشرف، فعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته. رواه مسلم.
هذا هو الأصل، فإن وجد ما يدعو للبناء عليه كخشية سرقته أو نبشه جاز ذلك، قال ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج: إن خشي نبش أو حفر سبع أو هدم سيل لم يكره البناء والتجصيص بل قد يجب. انتهـى.
وقد سبق بيان ذلك، وأنه لا يجوز البناء على القبور إلا لضرورة، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 20280 ، 44912 ، 29974، كما سبق بيان الصفة الشرعية للقبور في الفتويين: 504 ، 562.
وإذا علم ذلك، فلابد من أن تقدر الضرورة بقدرها، ومثل هذه الأمور التي ذكرها السائل لم نكد نسمع عنها في مقابر المسلمين، ولله الحمد، فلا يصح أن نبني على القبور لمجرد التوهم بإمكانية حصول مثل هذه الجرائم، فإن وجدت في مكان ما، وقوي الاحتمال وغلب الظن أن مثل ذلك قد يحدث، أو حصل ذلك بالفعل في مقبرة ما وخشي أهلها من تكراره، جاز عندئذ البناء على القبر بالقدر الذي تحصل به حمايته. وإلا بقي الأصل كما هو.
فمن قواعد الفقه: لا ينقض الأمر المتيقن ثبوتا أو نفيا بشك عارض قال الشيخ وليد السعيدان في كتاب تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية: هذه من القواعد الخمس الكبرى، وتدخل في غالب أبواب الفقه وبالتحديد تدخل هذه القاعدة في كل فرع يتجاذبه يقين وشك فتسقط الشك وتحكم باليقين ذلك. انتهـى.
وكذلك الحال في ما ذكره السائل الكريم في مسألة حراسة المقابر من هؤلاء المنحرفين. فالأصل أنه لا يجب على المسلمين تعيين من يحرس مقابرهم، وعلى أية حال فالأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما. والعلة الموجبة للحراسة إن وجدت هي التي تحدد وسيلة تلك الحراسة. فإن كانت ستحرس من قبل مختصين فلا بد أن يكونوا من المؤتمنين الثقات، وينبغي التنبيه عليهم لإدراك خطر هذه الفئة من الناس إن وجدت. وأما مراقبة الحراس أنفسهم فهذا بحسب الواقع وما يظهر من حالهم والأصل في المسلم السلامة حتى يثبت خلافها.
مع العلم أن نبش القبور لسرقة الأكفان والحلي ونحو ذلك كان أمرا معروفا من قديم، والنباش عند جمهور العلماء يعتبر سارقا تجري عليه أحكام السارقين، فتقطع يده إذا سرق من أكفان الموتى ما يبلغ نصاب السرقة. ويوجد الآن من يسرق جثث الموتى ليبيعها لتشريحها بقصد التعليم، كما سبق في الفتوى رقم: 22325، ومع ذلك لم نجد من أهل العلم من يوجب على المسلمين عموما تعيين حارس لكل مقبرة من مقابرهم.
وينبغي التنبه إلى أن موطن مثل هذا الشذوذ هي الدول الغربية، حيث يعبد كثير منهم الشهوات، وطريقة دفنهم لأمواتهم تساعد على مثل هذه الجرائم، حيث يضعون الميت في تابوت فاخر ولا يدفنونه في الأرض. وأما أهل الإسلام فمع ما في شريعتهم من تزكية للنفوس وترفع عن مثل هذه المحرمات الشاذة، ففيها كذلك حدود وأحكام رادعة، ومن ذلك أن الزوج إذا وطئ زوجته بعد موتها فحكمه في الشرع أنه يؤدب ويعزر، كما نص عليه أهل العلم. وأما إذا لم تكن زوجته فبعد أن اتفقوا على حرمة ذلك، اختلفوا في وجوب حد الزنا عليه، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 50413.
وأما مسألة تعميق القبر فهو مستحب مطلقا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: احفروا وأعمقوا وأحسنوا. رواه النسائي وأبو داود ، وصححه الألباني. ولهذا الحديث ذهب الحنابلة على الصحيح من المذهب إلى أنه يسن تعميق القبر وتوسيعه بلا حد، ولأن تعميق القبر أنفى لظهور الرائحة التي تستضر بها الأحياء، وأبعد لقدرة الوحش على نبشه وآكد لستر الميت. وقد سبق ذلك في بعض الفتاوى المحال إليها.
والله أعلم.