الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن أهل السنة والجماعة هم الذين يسلكون منهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان في القول والاعتقاد والعمل، وليس لهم اسم ولا رسم إلا أهل السنة والجماعة، وراجع في بيان ذلك فتوانا رقم: 10400
أما المعتزلة فهم فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي، تأثرت بكتب الفلاسفة وآرائهم فقدمت المعقول على المنقول في فهم العقيدة، وابتلوا الناس بعقائدهم بقوة السلطان فضلوا وأضلوا ومن أسمائها: القدرية، والعدلية، والمقتصدة، والوعيدية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: أصولهم -يعني المعتزلة - خمسة يسمونها التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وإنفاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
لكن معنى التوحيد عندهم يتضمن نفى الصفات... وهذا إنما هو إلحاد في أسماء الله وآياته، ومعنى العدل عندهم يتضمن التكذيب بالقدر، وهو خلق أفعال العباد، وإرادة الكائنات والقدرة على شيء...
وأما المنزلة بين المنزلتين فهي عندهم أن الفاسق لا يسمى مؤمنا بوجه من الوجوه كما لا يسمى كافرا، فنزلوه بين منزلتين، وإنفاذ الوعيد عندهم معناه أن فساق الملة مخلدون في النار لا يخرجون منها بشفاعة ولا غير ذلك كما تقوله الخوارج. والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يتضمن عندهم جواز الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف. اهـ.
وقد طعن المعتزلة في الصحابة المشاركين في وقعة الجمل، فقد زعم واصل بن عطاء أن إحدى الطائفتين فاسقة، وردوا شهادة أولئك الصحابة المشاركين في الواقعة، وزعموا أنه يجب على الله أن يفعل الأصلح لعباده، وأنه تعالى فعل بكل أحد غاية مقدوره من الأصلح.
ومن مبادئ المعتزلة الاعتماد على العقل كليا وتقديمه على النقل في مسائل العقائد وغيرها. والقول بأن النقل الصحيح يعارض العقل الصريح دعوى مفتعلة منقوضة من أساسها، بل الشرع والعقل يتوافقان ولله الحمد والمنة، وعند توهم التعارض يقدم النقل لأنه عن المعصوم..
وقد فند علماء الإسلام آراءهم في عصرهم، وبالجملة فمذهبهم من أقبح المذاهب ومشتمل على جملة من المساوئ والمتناقضات.
وقد اختلف العلماء في تكفير المعتزلة، فمنهم من ذهب إلى أنهم ليسوا كفارا، لأنهم داخلون في مسمى الأمة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة. رواه البيهقي والحاكم وغيرهما، فنسبة الفرق إلى الأمة دليل على عدم كفرهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وأما القدرية المقرون بالعلم و الروافض الذين ليسوا من الغالية والجهمية والخوارج فيذكر عنه يعني الإمام أحمد في تكفيرهم روايتان هذا حقيقة قوله المطلق مع أن الغالب عليه التوقف عن تكفير القدرية المقرين بالعلم. ثم قال: وأصل ضلال هؤلاء الإعراض عما جاء به الرسول من الكتاب والحكمة وابتغاء الهدى في خلاف ذلك، فمن كان هذا أصله فهو بعد بلاغ الرسالة كافر لا ريب فيه... إلى أن قال:
فهذا الكلام يمهد أصلين عظيمين:
أحدهما: أن العلم والإيمان والهدى فيما جاء به الرسول، وأن خلاف ذلك كفر على الإطلاق، فنفي الصفات كفر والتكذيب بأن الله يرى في الآخرة أو أنه على العرش أو أن القرآن كلامه... كفر وكذلك ما كان في معنى ذلك وهذا معنى كلام أئمة السنة وأهل الحديث.
و الأصل الثاني: أن التكفير العام كالوعيد العام يجب القول بإطلاقه وعمومه.
وأما الحكم على المعين بأنه كافر أو مشهود له بالنار فهذا يقف على الدليل المعين فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه. اهـ.
ولا نرى وجها لتأثرك بالمعتزلة وإعجابك بهم، أما قولك أن ما ذهبوا إليه اجتهاد، وأن أخطاءهم لا تذكر، فقولك مخالف للأدلة الشرعية ولواقع حال المعتزلة، فمخالفة الأدلة الصريحة وما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين لا يجوز تحت مسمى الاجتهاد، فلا اجتهاد مع النصوص القطعية الصريحة، ومذهب المعتزلة مليء الأخطاء والمخالفات الشرعية، ولكثرة قبائحه أصبح هذا المذهب المذموم مهجورا إلا من طائفة يسيرة تحاول إحياء الفكر الاعتزالي تحت مسميات جديدة.
وننصحك لإزالة هذه التصورات الخاطئة بالاطلاع على كتاب (أهل السنة والجماعة معالم الانطلاقة الكبرى) لمحمد عبد الهادي المصري.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 17236، 25436، 27317، 115524.
والله أعلم.