السؤال
حدثت مني أخطاء بسيطة في حق والد خطيبتي، لكنه تعامل معها بشكل غريب، وقال لي لك يوم واحد في زيارة خطيبتك، مع العلم لم أكن أجلس معها منفردا أبدا، وكانت زيارتي غير محددة المدة، والخطأ في حق هذا الرجل بسيط، وكان ممكن أن يسامحني عليه أو يعاتبني، لكنه قرر أن يظهر لي شدة في المعاملة معي، المهم والسؤال هو أني بعد ذلك شعرت أني لا أستطيع دخول البيت، وأن نفسي وجدت من هذا الرجل، وأنني أصبح عندما أراه أشعر وكأني خذلان، ومر شهر كامل ولم أدخل البيت، وبعدها أرسل لي وحاول أن يتحدث معي عن أسباب قراره هذا، لكن نفسي قد أغلقت تجاهه، وكلما حاول أن يفتح معي كلما أجد نفسي تغلق الحوار ولا تريد الحديث معه، ولا أعرف هل أنا أظلمه أم أن من حقي أن أعامله بالحسنى، أم أذهب إليه وأقول له ما بداخلي تجاهه، أم هو حر فيما فعل، وأنا حر في معاملتي معه خصوصا أن معاملتي معه بالحسنى، لكني لا أفتح معه حوار وأغلق أي حوار يفتحة معي بأسلوب محترم، وأصبحت لا أقدر أن أجلس معه على الطعام، فهل أنا بكل ما أفعله أظلمه أم هذا من حقي، خصوصا أني أشعر بأنة قد طردني من منزله بما فعل. فأرجو الإجابة، وأن تدعو لي بالزوجة الصالحة والذرية الطيبة؟ وجزاكم الله عنا كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن العفو عن أخطاء الآخرين والتجاوز عن زلاتهم من محاسن الأخلاق التي حثت عليها الشريعة الغراء، قال سبحانه: وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور {آل عمران:186}، وقال تعالى: فمن عفا وأصلح فأجره على الله {الشورى:40}، وقال تعالى: وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم {النور:22}، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله. فانظر كيف أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من عفا فإن الله يزيده عزا بعفوه، وانظر كيف استحوذ الشيطان على كثير من خلق الله، فأوحى إليهم أن العفو إهدار للكرامة وإذلال للنفس؟! العفو والصفح هما خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فأين المشمرون المقتدون! سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. رواه أحمد والترمذي وأصله في الصحيحين.
وإذا كان هذا الرجل قد منعك من دخول بيته إلا في وقت محدد، فهذا محض حقه، فإن البيوت لها عوراتها وخصوصياتها، وأنت ما زلت أجنبيا عن أهل البيت، ففيم الغضب والوجد إذا، وقد قال سبحانه وتعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون* فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم {النور:28}، جاء في تفسير ابن كثير: وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم. أي: إذا ردوكم من الباب قبل الإذن أو بعده "فارجعوا هو أزكى لكم" أي: رجوعكم أزكى لكم وأطهر "والله بما تعملون عليم"، وقال قتادة: قال بعض المهاجرين: لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها: أن أستأذن على بعض إخواني، فيقول لي: ارجع. فأرجع وأنا مغتبط (لقوله)، (وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم). انتهى.
وقال السعدي رحمه الله: أي: فلا تمتنعوا من الرجوع، ولا تغضبوا منه، فإن صاحب المنزل، لم يمنعكم حقا واجبا لكم، وإنما هو متبرع، فإن شاء أذن أو منع، فأنتم لا يأخذ أحدكم الكبر والاشمئزاز من هذه الحال (هو أزكى لكم) أي: أشد لتطهيركم من السيئات وتنميتكم بالحسنات. انتهى.
وطالما أنك قد ذكرت أن هذا الرجل حاول أن يوضح لك الأسباب التي دعته لذلك فإن الأولى أن تذهب إليه وأن تصارحه بما وجدته في صدرك إن رأيت في ذلك مصلحة، فلعل ذلك أن يذهب ما في صدرك تجاهه خصوصا أن هذا الرجل سيكون صهرا لك مستقبلا إن شاء الله، والرسول صلى الله عليه وسلم قد وصى بالأصهار، فقال فيما رواه مسلم وغيره: إنكم ستفتحون أرض مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما، أو قال: ذمة وصهرا. فدل هذا على أن الإحسان إلى الأصهار مطلوب.
وفي النهاية ننبهك على أنه لا يجوز لك أن تكثر التردد على خطيبتك، ولا أن تكثر الجلوس معها، ولو في وجود محارمها، لأن الخاطب أجنبي عن مخطوبته فهو معها كغيره من الأجانب حتى يتم عقد النكاح، وإنما أباح الشارع له أن ينظر إلى من يريد خطبتها أول الأمر ليكون ذلك مرغبا له في نكاحها ومعرفا له بصفاتها، وهذا إنما يكون يكون مرة واحدة أو مرتين عند الحاجة، فبعد أن يحصل الركون من كليكما لصاحبه عليك أن تقطع كل اتصالاتك بخطيبتك هذه تماما إلى أن يتم عقد النكاح، إلا أن يكون هناك حاجة للكلام فلا بأس بالحديث حينئذ مع مراعاة الضوابط الشرعية، من غض البصر وعدم الخلوة ونحو ذلك، ويمكنك أن تراجع في ذلك هاتين الفتويين: 6826، 1151.
والله أعلم.