السؤال
كيفية الغسل الأكبر، وكيفية غسل الجمعة، وما الفرق بينهما، وما الحكمة الشرعية منهما؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد بينا كيفية غسل الجنابة في الفتوى رقم: 6133، وبينا أن غسل الجمعة لا يختلف في كيفيته عن غسل الجنابة في الفتوى رقم: 52178، وإنما الاختلاف بينهما في النية، فالنية هي التي تفرق بين غسل الجنابة الواجب وغسل الجمعة المستحب، فمن نوى غسل الجنابة حصل له، ومن نوى غسل الجمعة حصل له، ومن نواهما معا بغسل واحد أجزأه عند الجمهور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : إنما الأعمال بالنيات. متفق عليه. وأما عن الحكمة الشرعية لغسل الجنابة، فقد أشبع ابن القيم الكلام فيها عند كلامه عن سر إيجاب الشرع الغسل من المني دون البول. قال رحمه الله: فهذا من أعظم محاسن الشريعة وما اشتملت عليه من الرحمة والحكمه والمصلحة، فإن المني يخرج من جميع البدن، ولهذا سماه الله سبحانه وتعالى: سلالة، لأنه يسيل من جميع البدن، وأما البول فإنما هو فضلة الطعام والشراب المستحيلة في المعدة والمثانة، فتأثر البدن بخروج المني أعظم من تأثره بخروج البول، وأيضا فإن الاغتسال من خروج المني من أنفع شيء للبدن والقلب والروح بل جميع الأرواح القائمة بالبدن، فإنها تقوى بالاغتسال والغسل يخلف عليه ما تحلل منه بخروج المني، وهذا أمر يعرف بالحس، وأيضا فإن الجنابة توجب ثقلا وكسلا، والغسل يحدث له نشاطا وخفة؛ ولهذا قال أبو ذر لما اغتسل من الجنابة: كأنما ألقيت عني حملا. وبالجملة فهذا أمر يدركه كل ذي حس سليم وفطرة صحيحة، ويعلم أن الاغتسال من الجنابة يجري مجرى المصالح التي تلحق بالضروريات للبدن والقلب مع ما تحدثه الجنابة من بعد القلب والروح عن الأرواح الطيبة، فإذا اغتسل زال ذلك البعد، ولهذا قال غير واحد من الصحابة: إن العبد إذا نام عرجت روحه، فإن كان طاهرا أذن لها بالسجود، وإن كان جنبا لم يؤذن لها، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الجنب إذا نام أن يتوضأ، وقد صرح أفاضل الأطباء بأن الاغتسال بعد الجماع يعيد الى البدن قوته ويخلف عليه ما تحلل منه، وإنه من أنفع شيء للبدن والروح، وتركه مضر، ويكفي شهادة العقل والفطرة بحسنه. اتنهى.
وأما حكمة مشروعية غسل الجمعة فواضحة لا تخفى، فإن يوم الجمعة هو عيد المسلمين الأسبوعي، وفيه يجتمعون لصلاة الجمعة، فشرع لهم أن يأتوها على أفضل الهيئات وأكمل الحالات، ولكيلا يؤذي بعضهم بعضا بالرائحة الكريهة. فعن عائشة أنها قالت: كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي، فيأتون في العباء ويصيبهم الغبار، فتخرج منهم الريح، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا . متفق عليه.
والأحاديث في مشروعية غسل الجمعة وبيان فضله وأنه من خصائص يوم الجمعة كثيرة مشهورة.
والله أعلم.