السؤال
أنا أعمل ببنك ربوي مند 20 سنة. فماذا أفعل للتوبة؟ جزاكم الله خيرا كثيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي يلزمك للتوبة من العمل في البنك الربوي هو ترك العمل فيه فورا إذ من شروط التوبة الإقلاع عن المعصية ثم الندم على ما فات والعزم على عدم العودة لمثل هذا العمل.
أما بخصوص ما اكتسب من أموال من وراء هذا العمل، فإن للعلماء في التائب من المال الحرام بسبب كسبه ثلاثة أقوال:
الأول: يجب عليه أن يتخلص منه كله بصرفه في المشاريع الخيرية والبحث عن مال حلال ينفق منه على نفسه وعلى من يعول.
الثاني: جواز الأخذ منه للنفقة إذا كان فقيرا مع التخلص من الزائد. قال الإمام النووي رحمه الله نقلا عن الغزالي في معرض كلامه عن المال الحرام والتوبة منه ما نصه: وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إذا كان فقيرا، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ قدر حاجته لأنه أيضا فقير. انتهى.
الثالث: لا يجب على التائب الحائز للمال الحرام التخلص من شيء منه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والتوبة كالإسلام، فإن الذي قال الإسلام يهدم ما كان قبله هو الذي قال: التوبة تهدم ما كان قبلها، وذلك في حديث واحد من رواية عمرو بن العاص. رواه أحمد ومسلم فإذا كان العفو عن الكافر لأجل ما وجد من الإسلام الماحي والحسنات يذهبن السيئات؛ ولأن في عدم العفو تنفيرا عن الدخول لما يلزم الداخل فيه من الآصار والأغلال الموضوعة على لسان هذا النبي، فهذا المعنى موجود في التوبة عن الجهل والظلم فإن الاعتراف بالحق والرجوع إليه حسنة يمحو الله بها السيئات، وفي عدم العفو تنفير عظيم عن التوبة، وآصار ثقيلة وأغلال عظيمة على التائبين. وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يبدل لعبده التائب بدل كل سيئة حسنة على ظاهر قوله: يبدل الله سيئاتهم حسنات. فإذا كان تلك التي تاب منها صارت حسنات لم يبق في حقه بعد التوبة سيئة أصلا، فيصير ذلك القبض والعقد من باب المعفو عنه ويصير ذلك الترك من باب العفو عنه، فلا يجعل تاركا لواجب ولا فاعلا لمحرم، وبهذا يحصل الجمع بين الأدلة وقال من لم يلتزم أداء الواجب وإن لم يكن كافرا في الباطن ففي إيجاب القضاء عليه تنفير عظيم عن التوبة فإن الرجل قد يعيش مدة طويل لا يصلي ولا يزكي وقد لا يصوم أيضا، ولا يبالي من أين كسب المال أمن حلال أم من حرام، ولا يضبط حدود النكاح والطلاق وغير ذلك فهو في جاهلية إلا أنه منتسب إلى الإسلام، فإذا هداه الله وتاب عليه، فإن أوجب عليه قضاء جميع ما تركه من الواجبات، وأمره برد جميع ما اكتسبه من الأموال والخروج عما يحبه من الأبضاع صارت التوبة في حقه عذابا، وكان الكفر حينئذ أحب إليه من ذلك الإسلام الذي كان عليه، فإن توبته من الكفر رحمة وتوبته وهو مسلم عذاب.
والمفتى به عندنا هو الرأي الثاني، وتراجع لمزيد من الفائدة الفتوى رقم: والله أعلم.