السؤال
بعد عشرين عاما من الزواج، تزوج من امرأة أخرى، وأقر بعقد زواجه بأنه ليس بعصمته امرأة أخرى، ثم حلف علي شيء هو متيقن من أنه سيقع شئت أم أبيت، فوقع وأنا في ديرتي وأردت أن أحضر في موعد العدة، ولكنه رفض، والآن ذهبنا إلى دار الإفتاء حيث جئت رغما عنه بعد أن استطعت تكوين مبلغ المجيئ إليه، وقالوا هو طلاق بائن بينونة صغرى، فجئت بأبيه يقطن نفس البلد واتفقنا على أن أتنازل عن مستحقاتي من أجل أولادي التسعة، وذهب، وأتاني أبوه في اليوم التالي يخبرني بعدم موافقة زوجته علي رجوعي إليه بالرغم من عدم أخذه رأيي بزواجه منها، والآن تركني معلقة وأخذ الأولاد وهدم البيت وشردني أنا وأولادي بدون وجه حق، ولا أقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل. هل يحق له حضانة الأولاد وهو بغربة، حيث إنه سيلغي لي الإقامة، ولن أرى أولادي مرة أخرى. أستحلفكم بالله ماذا أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يفرج همك، وأن يزيل غمك، وأن يوفقك إلى ما يحبه ويرضاه، وقبل أن نبين الحكم الشرعي لما جاء في السؤال نحب أن ننصحك بالسعي في الصلح بينك وبين زوجك إن لم تكون قد بنت منه بينونة كبرى، فالصلح خير كما قال الله تعالى، وبه يحصل جمع شمل الأسرة، ولو بأن توسطي أحد أهل الخير والصلاح ليسعى في الصلح، فإن تم الصلح فالحمد لله، وإن لم يتم فعليك بالتوكل على الله والاعتصام بحبله فإن الله لن يضيعك، قال تعالى: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما {النساء: 130} وقال تعالى: ومن يتوكل على الله فهو حسبه {الطلاق:3} هذا بخصوص نصيحتنا لك ماذا تفعلين، أما بخصوص الحكم الشرعي لما جاء في السؤال فما كان من إخبار زوجك عند زواجه الثاني بأنه ليس في عصمته امرأة أخرى فهو حرام لأنه كذب، والكذب حرام بإجماع المسلمين، ولكن في ذات الوقت ليس عليه أن يخبرك بالزواج من ثانية، ولا أن يستشيرك في ذلك إلا على سبيل الأولى والأفضل، أما على سبيل الوجوب فلا.
فإن كانت العدة قد انتهت بعد طلاقك ولم يراجعك فيها، فالطلاق بائن بينونة صغرى، إذا كانت هذه هي الطلقة الأولى أو الثانية.
أما بخصوص الحضانة فأنت أحق بحضانة الأطفال ما لم تتزوجي أو يبلغوا سن السابعة. وقد بينا أحكام الحضانة بالتفصيل في الفتوى رقم: 64894، والفتوى رقم: 6256.
أما بالنسبة لإلغاء إقامتك ورجوعك إلى بلدك، فقد ذهب كثير من العلماء إلى أن الأم إذا أقامت في بلد بعيد عن بلد الأب، فإن ذلك يسقط حقها في الحضانة، وذهب بعضهم إلى أن انتقالها إلى بلدها الذي تم فيه عقد الزواج لا يسقط حقها، قال ابن قدامة الحنبلي: وبما ذكرناه من تقديم الأب عند افتراق الدار بهما قال شريح ومالك والشافعي وقال أصحاب الرأي: إن انتقل الأب فالأم أحق به، وإن انتقلت الأم إلى البلد الذي كان فيه أصل النكاح فهي أحق، وإن انتقلت إلى غيره فالأب أحق. اهـ من المغني.
وبعض العلماء قد فرق في هذا الحكم بين الرضيع وغيره، جاء في بلغة السالك -مالكي: فإن سافر الولي الحر عن المحضون الحر السفر المذكور سقط حقها من الحضانة ويأخذه وليه معه ولو كان الولد رضيعا على المشهور، وقيل لا يأخذ الرضيع وإنما يؤخذ الولد إذا أثغر، وقيل يأخذه بعد انقطاع الرضاع. اهـ
والذي نراه راجحا أن الرضيع لا ينزع من أمه ما دام محتاجا لرعايتها، وذلك للضرر الذي يلحق الرضيع و أمه من نزعه، والظاهر أن الشرع قد راعى في مسألة الحضانة مصلحة الطفل، ولم يرد فيما نعلم نص يمنع حضانة الأم في حال إقامتها بعيدا عن بلد الأب، قال ابن القيم بعد ذكر أقوال العلماء في المسألة: وهذه أقوال كلها كما ترى لا يقوم عليها دليل يسكن القلب إليه، فالصواب النظر والاحتياط للطفل في الأصلح له والأنفع من الإقامة أو النقلة، فأيهما كان أنفع له وأصون وأحفظ، روعي، ولا تأثير لإقامة ولا نقلة. اهـ من زاد المعاد في هدي خير العباد.
فلذا ننصحك بمراجعة المحكمة الشرعية فهي التي تقرر مصلحة الأطفال، وهل هي في بقائهم مع أبيهم أم سفرهم معك.
وهذا كله في الأولاد الذين يستحقون الحضانة وهم من دون سن السابعة، أما من هم فوق ذلك، فقد سبق بيان حكمهم في الفتاوى المحال عليها آنفا. وللفائدة تراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 72914، 114371، 108158.
والله أعلم