السؤال
في سورة يوسف: اتهم إخوته بالسرقة وشهربهم. فهل يعقل من نبي هذا التصرف?
وإذا كان الغرض منها أخذ أخيه ألا توجد طريقة أخرى?
فإذا كان جائزا، فيجوز إذا قتل الأبرياء لإقامة دولة إسلامية مادام الهدف نبيلا، الهدف يبرر الوسيلة؟
في سورة يوسف: اتهم إخوته بالسرقة وشهربهم. فهل يعقل من نبي هذا التصرف?
وإذا كان الغرض منها أخذ أخيه ألا توجد طريقة أخرى?
فإذا كان جائزا، فيجوز إذا قتل الأبرياء لإقامة دولة إسلامية مادام الهدف نبيلا، الهدف يبرر الوسيلة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فينبغي هنا أن ننبه بداية إلى أمرين:
الأول: أن الغاية لا تبرر الوسيلة، فكما ينبغي أن تكون الغاية مشروعة، كذلك ينبغي أن الوسيلة مشروعة، والقاعدة أن الوسائل لها أحكام المقاصد. وقد سبقت فتوى في بيان هذه القاعدة برقم: 50387. وأخرى في بيان ضوابط كون الغاية تبرر الوسيلة برقم: 74667.
الثاني: أن الشريعة مبنية على تحصيل المصالح ودرء المفاسد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع. اهـ.
وقال أيضا: السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها، وذلك ثابت في العقل؛ كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين. اهـ.
ومن ذلك ما حكاه الله تعالى عن الخضر عليه السلام أنه خرق السفينة التي كانت لمساكين حتى لا يستولي عليها الملك الظالم الذي يغصب السفن الصالحة من أصحابها، مع أن خرقها مفسدة؛ لكن لما كان في فعلها دفع لمفسدة هي أعظم منها وهي: ذهاب السفينة بأسرها واستيلاء الظالم عليها، جاز دفع تلك المفسدة العظيمة بما هو أقل فسادا منها وهو الخرق الذي يمكن إصلاحه، قال تعالى: أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا {الكهف: 79}.
ثم لا يخفى أن بقاء أخي يوسف مع يوسف فيه مصلحة ومنفعة عظيمة لهما، وأما بقاؤه مع إخوته ففيه مفسدة ظاهرة، حيث كانوا يسيئون إليه ويظلمونه، كما هو ظاهر قوله تعالى: ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون {يوسف:69}.
قال البغوي في تفسيره: أي: لا تحزن بشيء فعلوه بنا فيما مضى، فإن الله تعالى قد أحسن إلينا. اهـ.
وقد نص بعض المفسرين قديما وحديثا على أن فعل يوسف عليه السلام كان لأجل تحصيل هذه المصلحة، قال ابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل: إنما استحل أن يرميهم بالسرقة لما في ذلك من المصلحة من إمساك أخيه اهـ. وكذلك قال الصابوني في صفوة التفاسير.
وذهب كثير من المفسرين إلى أن هذا الكلام إن كان من يوسف فهو من باب المعاريض.
قال أبو السعود: هذا الخطاب إن كان بأمر يوسف فلعله أريد بالسرقة أخذهم له من أبيه ودخول بنيامين فيه بطريق التغليب، وإلا فهو من قبل المؤذن بناء على زعمه. والأول هو الأظهر الأوفق للسياق اهـ.
وقال الشعراوي في تفسيره: لسائل أن يقول: كيف يتهم يوسف إخوته بسرقة لم يرتكبوها؟ أقول: انظروا إلى دقة القرآن ولنحسن الفهم عنه.. فالآية هنا لا تحدد ماذا سرقوا بالضبط، وهم في نظر يوسف قد سرقوه من أبيه، وألقوه في الجب اهـ.
ومن أهل العلم من نص على أن ذلك كان خطيئة من نبي الله يوسف عليه السلام، وأنه عوقب عليها من جنسها حينما قال له إخوته بعد ذلك: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها {يوسف: 77}.
قال السيوطي في الدر المنثور: أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله -عنهما- قال: عوقب يوسف عليه السلام ثلاث مرات، أما أول مرة فبالحبس لما كان من همه بها، والثانية لقوله: اذكرني عند ربك فلبث في السجن بضع سنين عوقب بطول الحبس، والثالثة حيث قال أيتها العير إنكم لسارقون فاستقبل في وجهه إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل اهـ.
ومن أهل العلم من قال: إن وضع السقاية لم يكن من فعل يوسف أصلا، ذكر ذلك العز بن عبد السلام مع بقية الاحتمالات فقال: جعل السقاية في رحل أخيه عصيان، فعله الكيال ولم يأمر به يوسف. أو فعله يوسف فلما فقد الكيال السقاية ظن أنهم سرقوها فقال: {إنكم لسارقون}. أو كانت خطيئة ليوسف جوزي عليه بقولهم: {إن يسرق فقد سرق أخ له }[ يوسف: 77 ] أو كان النداء بأمر يوسف وعنى بالسرقة سرقتهم ليوسف من أبيه وذلك صدق، لأنهم كالسارق لخيانتهم لأبيهم اهـ.
وعلى أية حال فليس هناك أدنى علاقة بين ذلك وبين قتل الأبرياء توسلا لأية غاية، ولا يمكن بحال أن يكون القتل بغير حق سبيلا لإقامة دولة إسلامية
والله أعلم.