السؤال
إذا نزل من الرجل دم كثير ينزف بشدة (جرح عميق). فهل يفسد صيامه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن نزول دم كثير من الصائم بسبب جرح أو غيره حكمه حكم الحجامة، والصحيح من أقوال أهل العلم أنها لا تفطر، وهو قول الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبي حنيفة، واحتجوا لذلك بما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم. قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الفتح 4/226: والحديث صحيح لا مرية فيه، قال ابن عبد البر وغيره: فيه دليل على أن حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" منسوخ، لأنه جاء في بعض طرقه أن ذلك كان في حجة الوداع، وسبق إلى ذلك الشافعي. انتهى كلام الحافظ رحمه الله.
وذهب الإمام أحمد -رحمه الله- إلى أن الحجامة تفطر، محتجا بحديث شداد بن أوس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أفطر الحاجم والمحجوم. رواه أبو داود وابن ماجه والدارمي وغيرهم. وهو حديث صحيح. ولكن قد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص بالحجامة للصائم.
قال ابن حزم: صح حديث: "أفطر الحاجم والمحجوم" بلا ريب، ولكن وجدنا من حديث أبي سعيد: " أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم" وإسناده صحيح فوجب الأخذ به لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة، سواء كان حاجما أو محجوما. راجع فتح الباري: 4/227.
وما قاله ابن حزم من نسخ حديث أفطر الحاجم والمحجوم هو قول ابن عبد البر -كما تقدم- وهو الذي سبق إليه الشافعي، ومن أهل العلم من تأول الحديث بأنواع من التأويل مذكورة في شروح الحديث، قال الحافظ: ومن أحسن ما ورد في ذلك ما رواه أبو داود عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الحجامة للصائم، وعن المواصلة، ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه. إسناده صحيح. اهـ.
والله أعلم.