السؤال
إذا دخلت الجنة في النهاية سوف تمل وتزهق وتجرب كل شيء، ومستحيل أن تبقى إلى أبد الآبدين. أرجوكم ساعدوني فلقد انقلبت حياتي جحيما لا يطاق وأشعر بملل وضجر وأتمنى الموت؟
إذا دخلت الجنة في النهاية سوف تمل وتزهق وتجرب كل شيء، ومستحيل أن تبقى إلى أبد الآبدين. أرجوكم ساعدوني فلقد انقلبت حياتي جحيما لا يطاق وأشعر بملل وضجر وأتمنى الموت؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فأما أبدية الجنة والنعيم فيها، فلا خلاف فيه بين أهل العلم، والعقل لا يحيل ذلك، فالذي ابتدأ الخلق قادر على إبقائه، فالقول بإحالة البقاء إلى أبد الآبدين لا يدل عليه صحيح منقول
قال ابن القيم في فصل أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد من كتاب: حادي الأرواح قال: هذا مما يعلم بالاضطرار أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر به . انتهـى.
ثم فصل تفصيلا في بيان ذلك ـ رحمه الله. وراجع في بيان ذلك الفتويين: 75768، 59060.
وأما كون أهل الجنة يجربون كل شيء وفي النهاية لابد أن يملوا. فهذا إنما يقوله من لا يعلم حقيقة الحياة في مقعد الصدق بجوار الرب الكريم المليك المقتدر تبارك وتعالى، في دار أعدها سبحانه نزلا لأوليائه يكرمهم بها وينعمهم فيها.
قال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا *خالدين فيها لا يبغون عنها حولا {الكهف:108،107}
قال ابن كثير: في قوله:لا يبغون عنها حولا تنبيه على رغبتهم فيها وحبهم لها، مع أنه قد يتوهم فيمن هو مقيم في المكان دائما أنه يسأمه أو يمله، فأخبر أنهم مع هذا الدوام والخلود السرمدي، لا يختارون عن مقامهم ذلك متحولا ولا انتقالا ولا ظعنا ولا رحلة ولا بدلا. انتهـى.
ولذلك إذا دخل أهل الجنة ورأوا ما فيها سموها دار المقامة، كما قال تعالى على لسانهم: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب. {فاطر:34،35}.
قال القشيري: دار المقامة . أي دار الإقامة، لا يبغون عنها حولا ولا يتمنون منها خروجا. اهـ.
وقال السعدي: أي: الدار التي تدوم فيها الإقامة، والدار التي يرغب في المقام فيها، لكثرة خيراتها، وتوالي مسراتها، وزوال كدوراتها. انتهـى.
ثم إن نعيم الجنة متجدد، وهو دائما في ازدياد، فكيف يمل ما هذا شأنه ؟! ومما يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا. رواه مسلم.
فننصح السائل الكريم أن يدفع عن نفسه هذه الوساوس، ويقبل على طلب العلم الذي ينير له بصيرته، ويصحح له مفاهيمه وتصوراته، ويحقق به الإيمان الذي يريحه ويشرح صدره، ويدفع عنه ما ذكره من الملل والضجر وجحيم الحياة، قال تعالى: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون. {النحل:97}
وراجع في مسألة تمني الموت ما يباح منه وما يمنع، الفتوى رقم: 31781.
والله أعلم.