السؤال
ما حكم أكل لحم الجدي أو أداء الأضحية بجدي رضع من أنثى خنزير، حيث إني علمت أنه شوهد ذلك في إحدى الدول الإفريقية؟
ما حكم أكل لحم الجدي أو أداء الأضحية بجدي رضع من أنثى خنزير، حيث إني علمت أنه شوهد ذلك في إحدى الدول الإفريقية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلبن الخنزيرة نجس، ولكن الجدي إذا ارتضع من خنزيرة لا يظهر أثر النجاسة في لحمه، والراجح أن الجلالة لا يكره لحمها إلا إذا ظهر فيها أثر النجاسة، وقد سبق تفصيل أقوال الفقهاء عن الجلالة في الفتوى رقم: 9571، 43396.
وقال محمد بن أبي بكر الرازي الحنفي في (تحفة الملوك): لو رضع جدي لبن خنزير فهو كالجلالة اهـ. وعلى ذلك نص الشربيني أيضا في (مغني المحتاج).
وقال ابن سمعون في أماليه: السخلة المرباة بلبن كلبة، لها حكم الجلالة، يكره أكلها كراهة تنزيه على الأصح اهـ.
ولكن الصواب ما ذكرناه أولا وهو رأي أكثر أهل العلم أن الجدي لا يتغير لحمه باللبن النجس، وأنه يستحيل بعد شربه إلى طبيعة أخرى، وعلى ذلك فلا يمكن أن يكون له حكم الجلالة، وبالتالي لا يكره. قال السرخسي: وتفسير الجلالة التي تعتاد أكل الجيف ولا تخلط فيتعين لحمها، ويكون لحمها منتنا فحرم الأكل؛ لأنه من الخبائث، والعمل عليها؛ لتأذي الناس بنتنها، وأما ما يخلط فيتناول الجيف وغير الجيف على وجه يظهر أثر ذلك من لحمه، فلا بأس بأكله، والعمل عليه، حتى ذكر في النوادر: لو أن جديا غذي بلبن خنزير فلا بأس بأكله، لأنه لم يتغير لحمه، وما غذي به صار مستهلكا ولم يبق له أثر. اهـ.
وقال العبادي الحنفي في (الجوهرة النيرة): ولو ارتضع جدي بلبن كلبة أو خنزيرة حتى كبر لا يكره أكله لأن لحمه لا يتغير بذلك اهـ.
وقال ابن بطال في (شرح صحيح البخاري): سئل سحنون عن خروف أرضعته خنزيرة؟ فقال: لا بأس بأكله. قال الطبري: والعلماء مجمعون على أن حملا أو جديا غذى بلبن كلبة أو خنزيرة أنه غير حرام أكله، ولا خلاف أن ألبان الخنازير نجسة كالعذرة. قال غيره: والمعنى فيه أن لبن الخنزيرة لا يدرك في الخروف إذا ذبح بذوق ولا شم ولا رائحة، فقد نقله الله وأحاله كما يحيل الغذاء، فإنما حرم الله أعيان النجاسات المدركات بالحواس اهـ.
وقال القرافي في (الفروق): النجاسات التي طرأت عليها التغيرات والاستحالات إذا صار غذاء وأجزاء من الأعضاء لحما وعظما وغيرهما من الأعضاء فقد صار طاهرا بعد الاستحالة، فكذلك نقول في البقرة الجلالة والشاة تشرب لبن خنزير ونحو ذلك إذا بعدت الاستحالة طهر، كما أن الدم إذا صار منيا ثم آدميا قضي بطهارته بعد اهـ.
وقال الجاحظ في كتاب (الحيوان) لبعض العطارين من المعتزلة: كيف يرتضع الجدي من لبن خنزيرة فلا يحرم لحمه؟ قال: لأن ذلك اللبن استحال لحما وخرج من تلك الطبيعة ومن تلك الصورة ومن ذلك الاسم، وكذلك لحوم الجلالة فالمسك غير الدم والخل غير الخمر، والجوهر ليس يحرم بعينه وإنما يحرم للأعراض والعلل، فلا تقزز منه عند تذكرك الدم الحقين، فإنه ليس به وقد تتحول النار هواء والهواء ماء فيصير الشبه الذي بين الماء والنار بعيدا جدا اهـ.
وقال ابن حزم: وكل ما تغذى من الحيوان المباح أكله بالمحرمات فهو حلال .. ولو أن جديا أرضع لبن خنزيرة لكان أكله حلالا، حاشا ما ذكرنا من الجلالة؛ لأن الله تعالى قال: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم} فلم يفصل لنا تحريم شيء من أجل ما يأكل إلا الجلالة اهـ. والجلالة عند ابن حزم هي التي تأكل الجلة وهي العذرة.
وعلى ذلك فلا بأس بالتضحية بهذا الجدي، وأما على القول بأن لحمه يتأثر بالرضاع وينتن، فإنه إذا بلغ رضاعه من الخنزيرة مبلغ الجلالة، فله حكمها، وقد صرح الحنفية أن الجلالة لا تجزئ في الأضحية إذا كانت لا تأكل غير النجاسة، كما جاء في الموسوعة الفقهية.
وقد سبق بيان الشروط المطلوب توفرها في الأضحية في الفتويين رقم: 13884، 13271.
والله أعلم.