السؤال
أنا عندي إشكال في فهم الفرح المذموم والمحمود، هذه بعض الأمور التي لا أدري هل يجوز الفرح فيها أم لا؟ فأفيدونا بارك الله فيكم: الفرح عند الشفاء من المرض- الفرح لعطايا الله من رزق الأموال أو الأولاد- الفرح للنجاح في الدراسة أو التحصيل أو العمل- الفرح للترقية في العمل- الفرح لملاقاة الأحبة- الفرح بالسيارة الجديدة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنعم الدنيا وأنواع الرزق فيها والفرح بذلك، قد يحمد وقد يذم، وذلك بحسب سببه الحامل عليه، وعاقبته وما يؤول إليه، ومن الواضح أن محل حرمة الفرح بها ما إذا كان جارا إلى الخيلاء والفخر والتكبر... أما الفرح بها ليستر بها عرضه ويصون بها ماء وجهه ووجه عياله من التطلع لما في أيدي الناس أو ليواسي منها المحتاج فهذا فرح محمود.. قال ابن جزي في التسهيل: الفرح هنا هو الذي يقود إلى الإعجاب والطغيان، ولذلك قال: إن الله لا يحب الفرحين. وقيل: السرور بالدنيا، لأنه لا يفرح بها إلا من غفل عن الآخرة، ويدل على هذا قوله: ولا تفرحوا بما آتاكم. انتهى.
وقال الراغب في المفردات: الفرح وإن كان في أغلب أحواله مذموما، لقوله تعالى: إن الله لا يحب الفرحين. فقد يحمد تارة إذا كان على قدر ما يجب وفي الوضع الذي يجب. انتهى. وقد سبق أن نبهنا أنه لا يدخل في هذا الفرح المذموم من آتاه الله مالا وجاها ونحو ذلك، إذا لم يحمله ماله أو جاهه على الكبر والبطر والتعالي على الناس، وذلك في الفتوى رقم: 23821.
هذا وإن كان الفرح بالدنيا لا يذم إذا انضبط واعتدل، إلا أن الأكمل أن يتعلق القلب بالآخرة، ولا يكترث بأحوال الدنيا، كما قال تعالى: الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع {الرعد:26}، وقال: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور {الحديد:23}، قال ابن عطية في المحرر الوجيز: الفرح إذا ورد مقيدا في خير فليس بمذموم... وإذا ورد مقيدا في شر أو مطلقا لحقه ذم، إذ ليس من أفعال الآخرة، بل ينبغي أن يغلب على الإنسان حزنه على ذنبه وخوفه لربه. انتهى.
ولذلك لم يأمر الله تعالى بالفرح في كتابه إلا بأمور الدين والآخرة، فقال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون {يونس:58}، قال ابن القيم في مدارج السالكين: الفرح لذة تقع في القلب بإدراك المحبوب ونيل المشتهى، فيتولد من إدراكه حالة تسمى الفرح والسرور.. ولا شيء أحق أن يفرح العبد به من فضل الله ورحمته التي تتضمن الموعظة وشفاء الصدور من أدوائها بالهدى والرحمة.. فذلك خير من كل ما يجمع الناس من أعراض الدنيا وزينتها.. وقد جاء الفرح في القرآن على نوعين مطلق ومقيد، فالمطلق جاء في الذم كقوله تعالى: لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين. وقوله: إنه لفرح فخور. والمقيد نوعان أيضا، مقيد بالدنيا ينسي صاحبه فضل الله ومنته، فهو مذموم، كقوله: إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون. والثاني: مقيد بفضل الله وبرحمته، وهو نوعان أيضا، فضل ورحمة بالسبب وفضل بالمسبب، فالأول كقوله: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون. والثاني كقوله: فرحين بما آتاهم الله من فضله. انتهى.
والله أعلم.