الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا العمل الذي تعملينه في الصلاة من جذبك لطفلك أثناءها ونحو ذلك، عمل يسير لا تبطل به الصلاة، وقد ثبت نظيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلى ذات يوم وهو حامل أمامة بنت ابنته، فكان إذا سجد وضعها وإذا قام حملها. متفق عليه.
وقد صلى ابن عباس رضي الله عنهما مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عن يساره فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه. متفق عليه.
وثبت في الصحيح أيضا تقدمه وتأخره صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف، وعند أبي داود وغيره أنه فتح الباب لعائشة وهو يصلي، في نظائر كثيرة ، فدل على ما ذكرناه من أن مثل هذا العمل اليسير لا تبطل به الصلاة، وقد بينا ضابط العمل الذي تبطل به الصلاة، وما يجوز من العمل فيها، وانظري لذلك الفتوى رقم: 56817، والفتوى رقم: 95922.
وقد قسم العلامة العثيمين رحمه الله الحركة في الصلاة إلى خمسة أقسام ، فقال: فالحركة في الصلاة إذا تجري فيها الأحكام التكليفية الخمسة، وهذه الأقسام هي:
القسم الأول: حركة واجبة.
القسم الثاني: حركة محرمة.
القسم الثالث: حركة مكروهة.
القسم الرابع: حركة مستحبة.
القسم الخامس: حركة مباحة.
فأما الحركة الواجبة: فهي التي تتوقف عليها صحة الصلاة، مثل أن يرى في غترته نجاسة، فيجب عليه أن يتحرك لإزالتها ويخلع غترته، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يصلي بالناس فأخبره أن في نعليه خبثا فخلعها صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته واستمر فيها. رواه أبو داود.
ومثل أن يخبره أحد بأنه اتجه إلى غير القبلة؛ فيجب عليه أن يتحرك إلى القبلة.
وأما الحركة المحرمة: فهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة، لأن مثل هذه الحركة تبطل الصلاة، وما يبطل الصلاة فإنه لا يحل فعله؛ لأنه من باب اتخاذ آيات الله هزوا.
وأما الحركة المستحبة: فهي الحركة لفعل مستحب في الصلاة، كما لو تحرك من أجل استواء الصف، أو رأى فرجة أمامه في الصف المقدم فتقدم نحوها وهو في صلاته، أو تقلص الصف فتحرك لسد الخلل، أو ما أشبه ذلك من الحركات التي يحصل بها فعل مستحب في الصلاة؛ لأن ذلك من أجل إكمال الصلاة، ولهذا لما صلى ابن عباس رضي الله عنهما مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عن يساره أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه. متفق عليه.
وأما الحركة المباحة: فهي اليسيرة لحاجة، أو الكثيرة للضرورة، أما اليسيرة لحاجة فمثلها فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو جدها من أمها- فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها. متفق عليه.
وأما الحركة الكثيرة للضرورة: فمثالها الصلاة في حال القتال؛ قال الله تعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين* فإن خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون. البقرة /238-239؛ فإن من يصلي وهو يمشي لا شك أن عمله كثير ولكنه لما كان للضرورة كان مباحا لا يبطل الصلاة .
وأما الحركة المكروهة : فهي ما عدا ذلك وهو الأصل في الحركة في الصلاة، وعلى هذا نقول لمن يتحركون في الصلاة: إن عملكم مكروه، منقص لصلاتكم، وهذا مشاهد عند كل أحد فتجد الفرد يعبث بساعته، أو بقلمه، أو بغترته، أو بأنفه، أو بلحيته، أو ما أشبه ذلك، وكل ذلك من القسم المكروه إلا أن يكون كثيرا متواليا فإنه محرم مبطل للصلاة. انتهى.
وبهذا التفصيل المتقدم ، تعلمين حكم الحركة في الصلاة ، وأنها إن كثرت لغير ضرورة أبطلتها، وإن كثرت للضرورة لم تبطلها .
وأما هذا العمل اليسير الذي تعملينه فلا أثر له في إبطال الصلاة كما بينا، ويرجى أن تكون صلاتك مقبولة إن شاء الله .
وإذا كان الأمر على ما وصفنا، فلا يسوغ لك قطع الصلاة؛ لقول الله تعالى: ولا تبطلوا أعمالكم {محمد :33}.
وأما رفع صوتك في التشهد فإنه خلاف السنة، فإن السنة لكل مصل أن يسر بالتشهد ونحوه من تسبيحات الركوع والسجود، والتكبير إلا الإمام فإنه يجهر به ليسمع المأمومين.
جاء في مواهب الجليل: قال في اللباب: من الفضائل إسرار التشهدين. انتهى .
وقال في الاستذكار: وإخفاء التشهد سنة عند جميعهم، وإعلانه بدعة وجهل ولا خلاف فيه. انتهى.
ولا يشرع لك تعليم طفلك الصلاة ، ولا أمره بها إذا كان دون سبع سنين، بل عليك أن تنتظري حتى يبلغ سبع سنين ويصير مميزا ، فتأمرينه بالصلاة إذا.
قال النووي في المجموع: فمن لا تلزمه الصلاة لا يؤمر بفعلها لا إيجابا ولا ندبا إلا الصبي والصبية فيؤمران بها ندبا إذا بلغا سبع سنين وهما مميزان ، ويضربان على تركها إذا بلغا عشر سنين ، فإن لم يكونا مميزين لم يؤمرا لأنها لا تصح من غير مميز. انتهى.
والله أعلم.