السؤال
إحدى الأخوات تسأل وتقول: يجوز عند الحنابلة الوقف على بعض الذرية مثل الذكور دون الإناث .. فمالذي دفع الحنابلة إلى جواز الوقف لبعض الأبناء وما أدلتهم ؟
إحدى الأخوات تسأل وتقول: يجوز عند الحنابلة الوقف على بعض الذرية مثل الذكور دون الإناث .. فمالذي دفع الحنابلة إلى جواز الوقف لبعض الأبناء وما أدلتهم ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فتخصيص الذكور بالوقف دون الإناث، وكذا تخصيص الإناث دون الذكور، حكمهما واحد عند الحنابلة، فليس النظر عندهم للذكورة أو الأنوثة بل النظر إلى تحقيق شرط الواقف، ونص الإمام أحمد على أن هذا التفضيل لا بأس به إن كان بعضهم له عيال وبه حاجة، وأما إذا كان على سبيل الأثرة فمكروه. وقد سبق أن نبهنا في الفتوى رقم: 74444أن وقف الوالد على أحد أبنائه صحيح طالما أن الابن المذكور له من الاحتياجات ما ليس لبقية إخوته. وأن المنهي عنه من هذا هو أن يخص الوالد أحد أبنائه دون مسوغ شرعي. ومذهب الحنابلة ينص على استحباب العدل بين الأولاد في الوقف بأن يقسم على قسمة الميراث للذكر مثل حظ الأنثيين. وهناك قول آخر في المذهب بتسوية الذكر بالأنثى، قال ابن قدامة في المغني: المستحب أن يقسم الوقف على أولاده على حسب قسمة الله تعالى الميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ... فإن خالف فسوى بين الذكر والأنثى أو فضلها عليه أو فضل بعض البنين أو بعض البنات على بعض أو خص بعضهم بالوقف دون بعض، فقال أحمد في رواية محمد بن الحكم: إن كان على طريق الأثرة فأكرهه، وإن كان على أن بعضهم له عيال وبه حاجة يعني فلا بأس به. ووجه ذلك أن الزبير خص المردودة من بناته دون المستغنية منهن بصدقته. وعلى قياس قول أحمد لو خص المشتغلين بالعلم من أولاده بوقفه تحريضا لهم على طلب العلم أو ذا الدين دون الفساق أو المريض أو من له فضل من أجل فضيلته فلا بأس اهـ. ثم ذكر دليل ذلك كما سبق نقله في الفتوى رقم : 35717. وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع: لا يجوز له أن يخص الوقف ببنيه؛ لأنه إذا فعل ذلك دخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم فيكون بهذا العمل غير متق لله تعالى، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم تخصيص بعض الأبناء جورا، فقال: لا أشهد على جور، ولا شك أن من وقف على بنيه دون بناته أنه جور. وعلى هذا، فلو وجدنا شخصا وقف على بنيه ومات، فعلى المذهب ـ يعني الحنبلي ـ نجري الوقف على ما كان عليه؛ لأن هذا ليس عطية تامة؛ لأن الوقف لا يتصرف فيه الموقوف عليه لا ببيع ولا شراء، لكن الموقوف عليه ينتفع بغلته. فالقول الراجح أننا نلغي هذا الوقف ولا نصححه، ويعود هذا الموقوف ملكا للورثة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. اهـ. ثم إن مسألة تصحيح الوقف على بعض الأولاد لم يتفرد بها الحنابلة، قال ابن عابدين الحنفي في حاشيته: في الخانية: ولو وهب شيئا لأولاده في الصحة وأراد تفضيل البعض على البعض، روي عن أبي حنيفة: لا بأس به إذا كان التفضيل لزيادة فضل في الدين وإن كانوا سواء يكره. وروى المعلى عن أبي يوسف أنه لا بأس به إذا لم يقصد الإضرار وإلا سوى بينهم. وعليه الفتوى اهـ. وعند المالكية في مسألة الوقف على البنين دون البنات ستة أقوال، المعتمد منها الكراهة مع الصحة، كما ذكره الصاوي في بلغة السالك، والفتوى عندهم على ذلك كما في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك. وفي حاشية إعانة الطالبين للدمياطي وكذا تحفة المحتاج لابن حجر وهما شافعيان: يقع لكثيرين أنهم يقفون أموالهم في صحتهم على ذكور أولادهم قاصدين بذلك حرمان إناثهم وقد تكرر من غير واحد الإفتاء ببطلان الوقف حينئذ وفيه نظر ظاهر بل الوجه الصحة اهـ. ثم ذكروا علة ذلك. والحاصل أن القول بوجوب العدل في القسمة بين الأولاد ذكورا وإناثا هو القول الحق الذي لا يجوز العدول عنه. والله أعلم.