السؤال
هل يجوز وضع فواصل بين الوضوء مثل رد على هاتف، أو فتح باب البيت لشخص ما، أو أي فاصل، ومن ثم إكمال الوضوء؟
هل يجوز وضع فواصل بين الوضوء مثل رد على هاتف، أو فتح باب البيت لشخص ما، أو أي فاصل، ومن ثم إكمال الوضوء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما عن أثر الفصل بين أعضاء الوضوء في صحته، فإن كان الفصل الذي ذكرته من فتح الباب، والرد على الهاتف لا يستغرق وقتا كثيرا، بل هو فصل يسير فإنه لا يضر، وإن كان كثيرا في العرف والعادة فقد وقع الخلاف بين العلماء في صحة الوضوء عند عدم الموالاة، ولذا فالأحوط استئناف الوضوء، أي إعادته من جديد.
فالتفريق بين أعضاء الوضوء في الغسل على حالين.
أولا: أن يكون تفريقا يسيرا، فهذا لا يضر بلا خلاف، قال النووي في المجموع:
فالتفريق اليسير بين أعضاء الوضوء لا يضر بإجماع المسلمين، نقل الإجماع فيه الشيخ أبو حامد والمحاملي وغيرهما. انتهى.
ثانيا: أن يكون تفريقا كثيرا، ففيه خلاف ينبني على مسألة وجوب الموالاة في الوضوء، وقد اختلف أهل العلم فيها على أقوال ثلاثة:
الأول: أنها واجبة مطلقا، وهو قول الحنابلة.
والثاني: أنها واجب يسقط بالعذر، وهو مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، ولعله أرجح الأقوال وبه يحصل الجمع بين الأدلة.
والثالث: أنها سنة، وهو جديد قولي الشافعي، ومذهب أبي حنيفة.
قال النووي في المجموع:
قد ذكرنا أن التفريق اليسير لا يضر بالإجماع، وأما الكثير فالصحيح في مذهبنا أنه لا يضر وبه قال عمر بن الخطاب وابنه، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وطاووس، والحسن البصري، والنخعي، وسفيان الثوري، وأحمد في رواية داود وابن المنذر، وقالت طائفة: يضر التفريق وتجب الموالاة. حكاه ابن المنذر عن قتادة، وربيعة، والأوزاعي، والليث، وأحمد قال: واختلف فيه عن مالك رضي الله عنه وحكى الشيخ أبو حامد عن مالك والليث: إن فرق بعذر جاز وإلا فلا. واحتج من أوجب الموالاة بما رواه أبو داود والبيهقي عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فأحسن وضوءك، فرجع ثم صلى. رواه مسلم. وعن عمر أيضا موقوفا عليه أنه قال لمن فعل ذلك: أعد وضوءك، وفي رواية: اغسل ما تركت.
واحتج لمن لم يوجب الموالاة بأن الله تعالى أمر بغسل الأعضاء ولم يوجب موالاة، وبالأثر الصحيح الذي رواه مالك عن نافع أن ابن عمر توضأ في السوق فغسل وجهه ويديه ومسح برأسه ثم دعي إلى جنازة فدخل المسجد ثم مسح على خفيه بعد ما جف وضوءه وصلى. قال البيهقي: هذا صحيح عن ابن عمر مشهور بهذا اللفظ. انتهى.
ثم اختلف الموجبون للموالاة في الضابط الذي يحصل به التفريق، وتفوت به الموالاة، فقيل مرد ذلك إلى العرف، والعادة وهو الذي رجحه العلامة العثيمين رحمه الله، وقيل بل ضابطه ألا يجف العضو في الزمن المعتدل، قال ابن قدامة في المغني:
والموالاة الواجبة أن لا يترك غسل عضو حتى يمضي زمن يجف فيه العضو الذي قبله في الزمان المعتدل، لأنه قد يسرع جفاف العضو في بعض الزمان دون بعض، ولأنه يعتبر ذلك فيما بين طرفي الطهارة.
وقال ابن عقيل في رواية أخرى، إن حد التفريق المبطل ما يفحش في العادة، لأنه لم يحد في الشرع، فيرجع فيه إلى العادة، كالإحراز والتفرق في البيع. انتهى.
وإذا علم أثر ترك الموالاة في الوضوء على صحته علم حكم ذلك التفريق، وأنه لا حرج فيه إلا إذا كان كثيرا بحيث لا يصح معه الوضوء، وكان الوقت قد ضاق أو استلزم تفويت الجماعة، وهذا على قول من قال باشتراط الموالاة في الوضوء كما تقدم.
والله أعلم.