الأمور التي تجبر حج الفريضة

0 638

السؤال

إن للصوم زكاة الفطر تطهر الصائم من الذنوب التي كانت في شهر الصيام، والصلاة تجبر بالنوافل ما كان فيها من نقص يوم القيامة كما جاء في الحديث، فهل للحج عمل يجبر به ما كان فيه من رفث أو فسوق أو جدال؟ وهل الحج يكتب ناقصا من الأجر إذ حدثت فيه هذه الأشياء الثلاثة من المنهيات؟
وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن من رحمة الله عز وجل بعباده أن شرع لهم ما يجبرون به نقص الفرائض وهي النوافل والتطوعات، وهذا عام في الصلاة وغيرها من الفرائض كالصدقة والصيام والحج، فإذا أخل العبد بشيء من هذه الفرائض، وكان له تطوع جبر به نقصها. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك. رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن.

قال المباركفوري رحمه الله في تحفة الأحوذي: ثم يكون سائر عمله على ذلك، أي إن انتقص فريضة من سائر الأعمال تكمل من التطوع. انتهى.

 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ويقال: إن النوافل شرعت لجبر النقص الحاصل في الفرائض كما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول ما يحاسب عليه العبد من عمله الصلاة، فإن أكملها وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكملت به من الفريضة ثم يصنع بسائر أعماله. وهذا الإكمال يتناول ما نقص مطلقا. انتهى.

وبهذا تعلم أن حج الفريضة له ما يجبر نقصه كذلك، وهو حج التطوع، كما أن من أسباب جبر نقص الفرائض وإزالة ما عسى أن يكون خالطها من شائبة الخلل والتقصير الحسنات الماحية، والطاعات مطلقا، مصداقا لقوله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين.  {هود:14}. والتوبة النصوح فإنها تمحو النقص وتسد الخلل، كما قال تعالى: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون. {الشورى:25}.وانظر لذلك الفتوى رقم: 12832.

وأما كون الحج ينقص أجره بالرفث والفسوق والجدال، فاعلم أولا: أن الرفث من معانيه الجماع، وهو مبطل للحج قبل التحلل الأول، وأما ما عدا ذلك من الفسوق والجدال، والرفث الذي لا يبطل الحج، فلا شك في كونه ينقص أجر الحج ولا يستحق صاحبه ما وعد به الحاج إذا أتم حجه على وجهه من المثوبة، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه. فدل بمفهومه على أن من رفث في الحج أو فسق فيه لم يحصل له هذا الأجر، وإن كان حجه صحيحا إذا لم يرتكب ما يبطله، قال الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج: أي: يجب أن تعظموا الإحرام بالحج، وخصوصا الواقع في أشهره، وتصونوه عن كل ما يفسده أو ينقصه، من الرفث وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية، خصوصا عند النساء بحضرتهن، والفسوق وهو: جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام. والجدال وهو: المماراة والمنازعة والمخاصمة، لكونها تثير الشر، وتوقع العداوة.

والمقصود من الحج: الذل والإنكسار لله، والتقرب إليه بما أمكن من القربات، والتنزه عن مقارفة السيئات، فإنه بذلك يكون مبرورا، والمبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وهذه الأشياء وإن كانت ممنوعة في كل مكان وزمان، فإنها يتغلظ المنع عنها في الحج. انتهى.

ثم إن كان للعبد حج تطوع كمل به نقص حجته، وكذا إن كانت له حسنات ماحية، أو تداركه الله بتوبة نصوح يكفر بها سيئاته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة