السؤال
أنا شاب ملتزم على قدر الإمكان والحمد لله، ولكني أمارس العادة السرية بين فترات طويلة -أسابيع أو أشهر- وكلما أتوب منها أرجع إليها وحتى أنني أجدها مفيدة لحياتي الإيمانية. لأنني بعد ممارستها أرجع إلى الله وأقوم بالأعمال الصالحة ويتجدد إيماني ويذهب الفتور. وقد سمعت أن الإمام الشوكاني قد حلل العادة السرية فهل هذا صحيح؟ مع العلم بأنني أنصح أصدقائي وأدعوهم إلى الصلاة والعبادة وترك العادة السرية وغيرها من الأمور الصالحة. وأرجو منكم أن لا تذكروا لي كلاما عاما وناصحا لي بتقوى الله وبالرجوع إليه، لأنني أكلم الناس فيه وأعرفه, لكني أريد نصحا مغايرا وغير تقليدي-شبابي إن صح التعبير- لأنني شاب وأريد كلاما شبابيا يمس قلبي وعقلي وروحي؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد سبق لنا بيان حرمة الاستمناء وما فيه من أضرار بدينة ونفسية في الفتويين:7170، 23868.
وأما القول الذي نسب في السؤال للشوكاني فهو صحيح عنه، فله كتاب: بلوغ المنى في حكم الاستمنا. رجح فيه عدم تحريم الاستمناء، وقد أشار إلى هذا الكتاب في تفسيره: فتح القدير. عند قوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون* إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين* فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون. {المؤمنون:5-6-7}. فقال: استدل بها بعض أهل العلم على تحريم الاستمناء لأنه من الوراء لما ذكر، وقد جمعنا في ذلك رسالة سميناها: بلوغ المنى في حكم الاستمنا. وذكرنا فيها أدلة المنع والجواز وترجيح الراجح منهما. انتهى.
ومع ذلك فقد قال الشوكاني في كتابه السابق: غاية ما فيه أن يقال: هو من المشتبهات التي لم تكن من الحلال البين ولا من الحرام البين، والمؤمنون وقافون عند الشبهات. ولا شك أن في هذا العمل هجنة وخسة وسقوط نفس وضياع حشمة وضعف همة. انتهى.
وقد رد عليه الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في كتاب: تحفة الشاب الرباني في الرد على الإمام محمد بن علي الشوكاني.
وقول السائل الكريم: -أنني أجدها مفيدة لحياتي الإيمانية، لأنني بعد ممارستها أرجع إلى الله وأقوم بالأعمال الصالحة ويتجدد إيماني ويذهب الفتور- فيه خلط واضح، ولو كان ذلك حقا لصح أن يقال مثله في كل معصية، والمحمود في الحقيقة ليس فعل المعصية وإنما الندم عليها وإتباعها بالأعمال الصالحة، كما قال تعالى في وصف المتقين: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. {آل عمران:135}. فإنهم لم يكونوا من المتقين بفعل الفاحشة ، أو ظلم النفس بالذنوب والمعاصي، وإنما بعدم إصرارهم وباستغفارهم وتوبتهم وإنابتهم إلى الله تعالى.
وأما ما طلبه السائل الكريم من النصح الشبابي. فلا نجد أنفع ولا أنجع من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فاسمع إلى ربك سبحانه وهو يقول: يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون. {آل عمران:200}. وأنصت إلى قوله تبارك وتعالى: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين. {العنكبوت:69}. وتدبر قوله جل شأنه: ومن يتق الله يجعل له مخرجا* ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا* ... ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا. {التحريم}. واسمع إلى قول البشير النذير صلوات الله وسلامه عليه: كما لا يجتنى من الشوك العنب ، كذلك لا ينزل الأبرار منازل الفجار، فاسلكوا أي طريق شئتم ، فأي طريق سلكتم وردتم على أهله. رواه أبو نعيم في حلية الأولياء، وحسنه الألباني.
وقوله صلى الله عليه وسلم: اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم. رواه أحمد، وحسنه الألباني.
ثم أعلم أخي الكريم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه؛ فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، والجزاء من جنس العمل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه. رواه أحمد وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم: من يستعف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله. متفق عليه.
وفقنا الله وإياك لأرشد أمرنا، ووقانا شرور أنفسنا.
ويمكنك لمدارسة هذه المسألة قراءة كتاب: الانتصار على العادة السرية، وسائل عملية للوقاية والعلاج منها. إعداد: رامي عبد الله خالد عبد الخضر. ورسالة: العادة السيئة. لمحمد صالح المنجد. ورسالة: الحقيقة الجلية في حرمة العادة السرية. لمحمد بن عمران. وكلها متوفر على موقع المكتبة الشاملة.
والله أعلم.