من كانت ترى الكدرة ولا تعلم أحكامها

0 377

السؤال

أنا أشك شكا يرجح على اليقين بأني في أول سنوات بلوغي لم أكن أعلم بأمر الكدرة التي قد تتصل بالحيض، واحتمال حدوث الغسل مني وأنا غير منتبهة لها كبير، كما أنني على يقين أنه في زمن غير بعيد من الآن رأيت الكدرة ولم أحسبها حيضا ولم أغتسل لها، والآن أنا حائض أيضا, فهل لي أن أغسل غسلا أنوي فيه الطهارة والحيضات التي لم أعلم بها بحكم الكدرة سواء في أول سنوات بلوغي أم في الآونه الأخيرة التي أنا متأكدة من تجاهلي الكدرة فيها, ومن ثم أغتسل غسلا ثانيا لحيضتي هذه ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن الواضح أنك لا تفرقين بين الشك واليقين، ومن ثم فنحن بحاجة إلى تعريفك الفرق بينهما قبل أن نشرع في جواب سؤالك، جاء في الموسوعة الفقهية: الشك هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر عند الشاك. وقيل : الشك ما استوى طرفاه، وهو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما، فإذا ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو بمنزلة اليقين.

اليقين في اللغة: العلم الذي لا شك فيه.

وفي الاصطلاح: اعتقاد الشيء بأنه كذا، مع اعتقاد أنه لا يمكن إلا كذا، مطابقا للواقع غير ممكن الزوال . انتهى.

وعليه؛ فاليقين هو الجزم بالشيء جزما لا احتمال معه، أي بنسبة مائة بالمائة، والشك هو التردد بين شيئين، فقولك: شك يرجح على اليقين فيه تناقض ظاهر.

ثم اعلمي أن الصفرة والكدرة المتصلة بدم الحيض حيض كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 117502.

فإذا كنت لم تغتسلي بعد انقطاع الكدرة المتصلة بالحيض فإنك لا تزالين حائضا، ولا يلزمك في هذه الحال غسلان، بل يكفيك غسل واحد بعد انقطاع هذه الحيضة، تنوين به رفع الحدث الذي هو الحيض، وإذا كان العلماء قد نصوا على أن الغسل الواحد يكفي في رفع الجنابة والحيض كما قال النووي: ولو كان على امرأة غسل جنابة وحيض فنوت أحدهما صح غسلها وحصلا جميعا بلا خلاف. انتهى. فهاهنا أولى.

ولا يجزئك أن تغتسلي في أثناء الحيض عن الحيضة السابقة، لأنك لا تزالين حائضا وحكم الحيض لا يرتفع مع وجوده.

وأما إذا كنت رأيت تلك الكدرة بعد رؤية النقاء والطهر، فإن الكدرة في غير زمن الحيض لا تعد حيضا، كما بينا ذلك في الفتوى المحال عليها.

فإذا كان عندك يقين بأنك لم تتطهري الطهارة المشروعة بعد انقطاع الحيض وما اتصل به من صفرة أو كدرة، فالواجب عليك حساب جميع تلك الأيام، التي صليتها في هذه الحال، وإعادة جميع تلك الصلوات لأنك صليتها على غير طهارة، فوقعت باطلة ووجب عليك قضاؤها، ويرى شيخ الإسلام أن من ترك شرطا أو ركنا من شروط الصلاة جاهلا به لم تلزمه الإعادة، واستدل بحديث المسيء صلاته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادة ما فات من صلوات أخل بأركانها، وبنحو ذلك من الأدلة، وهذا القول وإن كان له قوة واتجاه، لكن قول الجمهور أحوط وأبرأ للذمة وانظري الفتويين رقم: 109981، 120273.

ثم اعلمي أنك إذا اغتسلت قبل حصول اليقين بوجود الطهر، والتحقق من انقطاع الحيض، وما اتصل به من صفرة أو كدرة، فإن غسلك هذا غير معتد به شرعا، لأن من شروط صحة الغسل انقطاع ما يوجبه من حيض أو نفاس، والإتيان بالعبادة مع الشك في شرطها غير مجزئ، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة صامت وهي شاكة في الطهر من الحيض، فلما أصبحت فإذا هي طاهرة هل ينعقد صومها وهي لم تتيقن الطهر ؟
فأجاب: صيامها غير منعقد، ويلزمها قضاء ذلك اليوم، وذلك لأن الأصل بقاء الحيض ودخولها في الصوم مع عدم تيقن الطهر دخول في العبادة مع الشك في شرط صحتها، وهذا يمنع انعقادها. انتهى.

وأما إذا كنت اغتسلت بعد التحقق من حصول الطهر بإحدى علامتيه: الجفوف، أو القصة البيضاء فلا يضرك ما رأيته من صفرة أو كدرة بعد ذلك لقول أم عطيه: كنا لا نعد الصفرة ولا الكدرة بعد الطهر شيئا.أخرجه أبو داود.

وكذا إذا كان شكك في وجود الصفرة والكدرة مجرد وهم أو وسوسة، فإنه لا التفات إليه ولا عبرة به، وكذا إذا حصل لك الشك بعد الفراغ من العبادة فإنه لا أثر له، وانظري الفتوى رقم: 120064.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة