السؤال
بداية جزاكم الله عنا كل خير، سؤالي هو:
إمام المسجد في وقت صلاه الجمعة أي بعد الخطبة الثانية، وفي نهاية الخطبة يطلب من المصلين التبرع للمسجد لإصلاح أشياء به كإصلاح حمامات، أو دهان بداخل المسجد، أوما شابة ذلك. ونحن نعرف أنه علي خلق وأنه رجل تقي، وقد حدث هذا أكثر من أربع أو خمس جمع أو يزيد. وبعد فترة جاء شيخ ثان ليلقي محاضرة بعد صلاة العشاء وقال إن ما يعمله هذا الشيخ في خطبة الجمعة حرام، وقال بأن الذي يجمع التبرعات بين الصفوف صلاته باطلة، وأن من يعد الفلوس بالمسجد للتبرع فصلاته باطلة، واستدل على ذلك بأن من يقول لصاحبه في وقت صلاة الجمعة أنصت فقد لغا، واستدل أيضا بأن رجلا لغا في صلاتة بسبب عد الحصى. فأرجو منكم الإفادة لما ذكره هذا الشيخ هل هو فعلا حرام ؟ وما يفعله إمام المسجد من جمع التبرعات بعد الانتهاء من الخطبة الثانية هل هذا حرام ؟ وجزاكم الله عنا كل خير، تقبلوا تحياتي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالجواب عن هذه المسألة ينقسم إلى شقين: أحدهما يتعلق بما يفعله هذا الإمام، وثانيهما بما قاله هذا الشيخ.
أولا: لا شك في أن التبرع لعمارة المساجد أمر حسن، وهو من خير ما تنفق فيه الأموال، ولكن ينبغي أن ينضبط هذا بالضوابط الشرعية، ومن ذلك ألا يكون التبرع لصالح المسجد في أثناء خطبة الجمعة، ولا بين الخطبة والصلاة، فإن التبرع في أثناء الخطبة مناف للإنصات المأمور به المصلون، وداخل في عموم اللغو المنهي عنه في الخطبة، وانظر الفتوى رقم: 46465.
وأما جمع التبرعات بعد الخطبة وقبل الصلاة ففيه مشقة على الناس، وقد تفوت به الموالاة بين الصلاة والخطبة، والتي هي شرط لصحة صلاة الجمعة عند كثير من العلماء، وانظر الفتوى رقم: 50501. والذي ننصح به هذا الإمام الفاضل، أن يجعل جمع التبرعات للمسجد بعد انتهاء الصلاة خروجا من هذه المحاذير، ولا بأس من أن يحث الناس على الصدقة والتبرع في أثناء الخطبة، لما في ذلك من الأمر بالمعروف، ونحن لا نشك في أنه سيحرص فيما يستقبل على فعل ما نصحناه به إن شاء الله.
ثانيا: وأما ما ذكره هذا الشيخ من كون هذا الفعل حراما، فلا شك في أن جمع التبرعات في أثناء الخطبة مما يستلزم الكلام وتخطي الرقاب داخل في عموم اللغو المنهي عنه، والذي دلت على منعه أحاديث كثيرة، وكذلك إن كان جمع هذه التبرعات يقع بعد الخطبة فتفوت به الموالاة، فهو مما يجب النهي عنه لما تقدم، وربما كان هذا هو سبب جزم الشيخ المذكور ببطلان صلاة من يجمع التبرعات أو يعد الأموال في المسجد. أما إن كان يبطل الصلاة لمجرد حصول الجمع مع حصول الموالاة فهذا غلط منه غفر الله له، فإن هذا وإن كان منهيا عنه لكنه ليس من مبطلات الصلاة، بل الصلاة صحيحة مسقطة للفرض يحصل بها الإجزاء، وإن فات صاحبها كمال الثواب وتمام الأجر.
قال الحافظ ابن حجر في شرح حديث: إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت: قوله: فقد لغوت، قال الأخفش: اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه، وقال ابن عرفة: اللغو السقط من القول، وقيل الميل عن الصواب، وقيل اللغو الإثم كقوله تعالى: وإذا مروا باللغو مروا كراما. وقال الزين بن المنير: اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام، وأغرب أبو عبيد الهروي في الغريب فقال: معنى لغا تكلم كذا أطلق، والصواب التقييد. وقال النضر بن شميل: معنى لغوت خبت من الأجر، وقيل: بطلت فضيلة جمعتك، وقيل: صارت جمعتك ظهرا. قلت أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى ويشهد للقول الأخير ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا: ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا. قال ابن وهب أحد رواته معناه: أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة، ولأحمد من حديث علي مرفوعا: من قال صه فقد تكلم، ومن تكلم فلا جمعة له. ولأبي داود نحوه. ولأحمد والبزار من حديث ابن عباس مرفوعا: من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا، والذي يقول له أنصت ليست له جمعة. وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر موقوفا. قال العلماء معناه: لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه. انتهى.
وقال بدر الدين العيني رحمه الله: قوله: كانت له ظهرا. أي: كانت جمعته له ظهرا، بمعنى: أن الفضيلة التي كانت تحصل له من الجمعة لم تحصل له، لفوات شروط هذه الفضيلة. انتهى.
والله أعلم.