السؤال
كنت أعمل خارج مصر، وأدفع زكاة مالي حتى عدت لأعيش في مصر، وعندي أسرة، وليس لي عمل أتكسب منه، فتحت مكتبة وخسرت خسارة كبيرة، إضافة للضرائب التي لا تعترف بالخسارة، وأخاف الدخول فى مشاريع أخرى وضعت أموالي فى شهادات الاستثمار تعطي 2500 جنيه شهريا تكاد لا تكفي مصاريف الأسرة، وقيمة الزكاة على أموال الشهادات تصل إلى 7500 جنيه سنويا لا أستطيع دفعها، وتراكمت ديون الزكاة مدة خمس سنوات ماذا أفعل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجب عليك أن تتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحا مما ألممت به من الذنوب، فإن كنت وضعت مالك في بنك ربوي كما هو الظاهر، فإن أكل الربا من أعظم الموبقات، وحسبك أن النبي صلى الله عليه وسلم: لعن آكل الربا ومؤكله، وكاتبه وشاهديه. أخرجه مسلم، وآذن الله تعالى آكل الربا بالحرب فقال تعالى: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله {البقرة:279}، والواجب عليك أن تبادر بسحب هذا المال من البنك الربوي، وتتخلص مما حصل لك منه من الفوائد بإنفاقها في مصالح المسلمين، أو صرفها على الفقراء والمساكين، وانظر لذلك الفتوى رقم: 121688، والفتوى رقم: 75775.
وأما تعللك بأنك تخاف من الدخول في مشاريع أخرى بسبب ما حصل لك من الخسارة فهو تعلل واه، فإن وجوه الكسب كثيرة، وأبواب الحلال متنوعة ولله الحمد، ومن توكل على الله واستعان به، واجتهد في تحقيق التقوى وسع الله له رزقه، وأتاه به من حيث لا يحتسب، فيمكنك أن تودع هذا المال في أحد البنوك الإسلامية المعروفة بالحرص على تطبيق تعاليم الشرع، أو باستثماره في أحد المشروعات المباحة مع الاستعانة بالله، والتفويض إليه والتوكل عليه، فإن من توكل على الله كفاه.
وأما منعك الزكاة هذه المدة فذنب آخر يستوجب التوبة النصوح، والمبادرة بقضاء هذا الدين ودفعه إلى مستحقيه، فإن منع الزكاة من أكبر الكبائر قال تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم* يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون {التوبة:34-35}، وقال صلى الله عليه وسلم: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره، كلما بردت أعيدت عليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي الله بين العباد. أخرجه مسلم.
فعليك أن تحسب زكاة هذه السنين الماضية، وتخرجها جميعا حتى تبرأ ذمتك، لقوله صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق أن يقضى. متفق عليه.. وانظر الفتوى رقم: 69185، والفتوى رقم: 64462.
فعليك أن تخرج من رأس المال ما تؤدي به الزكاة الواجبة عليك، حتى يبارك الله لك في باقيه، ويحصل لك من ربحه وثمرته ما ترجوه، فقد روي عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ما خالطت الصدقة مالا قط إلا أهلكته. رواه الشافعي والبخاري في تاريخه والحميدي، وزاد: قال: يكون قد وجب عليك في مالك صدقة فلا تخرجها فيهلك الحرام الحلال. وقد احتج به من يرى تعلق الزكاة بالعين، قال الشوكاني: (والحديث الثاني) -أي حديث عائشة المذكور- يدل على أن مجرد مخالطة الصدقة لغيرها من الأموال سبب لإهلاكه وظاهره وإن كان الذي خلطها بغيرها من الأموال عازما على إخراجها بعد حين لأن التراخي عن الإخراج مما لا يبعد أن يكون سببا لهذه العقوبة أعني هلاك المال. انتهى.
وعليك أن تستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما نقصت صدقة من مال. أخرجه مسلم. فإن الزكاة كاسمها تزكي المال وتكثره وتنميه. فما دمت مالكا لما تخرج به زكاة مالك فلا يجوز لك التسويف، ومنع الفقراء حقهم، بل بادر بأداء حق الله عز وجل في مالك، وسيخلف الله عز وجل عليك، كما قال تعالى: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين {سبأ:39}.
والله أعلم.