السؤال
شخص عرف أن الرسول صلى الله عليه و سلم قد سمل أعين العرنيين بالحديد المحمى. فوجد في صدره حرجا من هذا الأمر وأحس في نفسه كرها لهذا الفعل فلجأ إلى تكذيب الرواية، وقال بأنه لا يصدق أن يقدم الرسول على هذا الفعل. فهل يكفر بذلك؟ و هل لنا أيضا أن نعلم لماذا فعل الرسول صلى الله عليه و سلم ذلك بهؤلاء؟ و من هم العرنيون أصلا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالعرنيون أناس من قبيلة عرينة، وخلاصة قصتهم ـ وهي ثابتة في الصحيحين ـ أنهم أتوا المدينة فأسلموا وآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطعمهم، فأصابهم داء في بطونهم -داء الاستسقاء- واستوخموا المدينة، فأنزلهم صلى الله عليه وسلم الحرة في طائفة من إبل الصدقة وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، فلما صحوا وسمنوا، ارتدوا عن الإسلام وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم.
وبهذا يتبين أن هؤلاء جمعوا بين أنواع من الجرائم فأعظمها أنهم ارتدوا، ثم القتل والحرابة والسرقة، ولذلك قال أبو قلابة راوي الحديث عن أنس: هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله. رواه البخاري.
ومع هذا فلم يكتفوا بقتل الراعي بل سملوا عينه، ولذلك اقتص منهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم في صحيحه عن أنس قال: إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء. وراجع الفتوى رقم: 8358.
ومن المعلوم أن القصاص هو عين العدل. وقد قال الله تعالى: الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم. {البقرة:194}. وقال عز وجل: وجزاء سيئة سيئة مثلها. {الشورى: 40}. وقال سبحانه: والجروح قصاص. {المائدة: 45} وقد سبق معنى القصاص في الفتوى رقم: 23034.
فما فعله النبي صلى الله عليه وسلم هو عين العدل، وأضف إلى ذلك أن مثل هذا الفعل القبيح من هؤلاء المجرمين لو تعامل النبي صلى الله عليه وسلم معه باللين والرفق والعفو لتجرأ أناس غيرهم على ذلك، في وقت كان المسلمون فيه محاربين من عدة جهات.
فمن وجد في صدره حرجا من هذا الأمر، فالغالب أنه قد سمع فقط بالعقوبة دون أن يدرك حجم الجريمة، وليس هذا بإنصاف.
وعلى أية حال فمن أنكر وقوع هذه القصة وكذب هذه الرواية وقال: إنه لا يصدق أن يقدم الرسول على هذا الفعل. فلا يكفر بذلك؛ لأنه إنما ردها وكذبها متأولا، بل مدافعا ونافيا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ظنه ظلما وقبحا. وإنما الذي يكفر هو من أنكر السنة النبوية كمصدر للتشريع، وأما إنكار ما سوى ذلك بغير تأويل معتبر فضلال وليس بكفر، كما سبق بيانه في الفتويين: 25570، 99388.
وعلى أية حال فالواجب على كل من آمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم التصديق والانقياد لما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الوحي، فمتى صحت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز ردها أو الاعتراض عليها، كما أنه لا يجوز إخضاع السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأهواء، والعقول السقيمة التي ترد ما تجهله، أو تجهل الحكمة منه، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 12472.
والله أعلم.