السؤال
من ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة. سؤال: هل من مات وزوجته راضية عنه يدخل الجنة كذلك ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فقد روى الترمذي وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة. وهذا حديث ضعيف ولا تخلو طرقه كلها من مقال. ولكن قد جاء هذا المعنى ونحوه في أحاديث صحيحة منها ما رواه أحمد عن الحصين بن محصن أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة. ومنها ما رواه أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المرأة إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها وأطاعت بعلها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت. رواه أبو نعيم في الحلية وصححه الألباني. ولعل مقصود السائلة السؤال عن من مات وزوجته راضية عنه هل يدخل الجنة بهذا؟ والجواب: أنا لا نعلم نصا ثابتا في هذا الخصوص، ولكنا نقول: لا شك أن رضى الزوجة عن زوجها ناشئ عن حسن خلقه معها وجميل معاشرته لها وهذا من الأعمال الصالحة الجليلة، لما فيها من امتثال أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فقد قال تعالى: وعاشروهن بالمعروف. {النساء:19 }. وقال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم. أخرجه الترمذي وغيره وحسنه الألباني. ولا شك أن فعل الخيرات وعمل الصالحات وامتثال أوامر الشرع كل ذلك من أسباب دخول الجنة، كما قال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا. {الكهف : 107، 108}. ولكن ننبه السائلة على أن هذه الأحاديث وغيرها من أحاديث الوعد بدخول الجنة مقيدة بمن مات على التوحيد، ولم يكن مصرا على كبيرة، ومات قبل التوبة منها، أما من مات على غير التوحيد والعياذ بالله فإنه لا يدخل الجنة أبدا لما جاء في الحديث: إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة. متفق عليه. وأما من مات من أهل التوحيد وهو مصر على كبيرة فهو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. وللإمام النووي رحمه الله في هذا المعنى كلام نفيس عظيم الفائدة حيث قال رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم: واعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحدا دخل الجنة قطعا على كل حال، فإن كان سالما من المعاصي كالصغير والمجنون، والذي اتصل جنونه بالبلوغ، والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يحدث معصية بعد توبته، والموفق الذي لم يبتل بمعصية أصلا. فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلا لكنهم يردونها على الخلاف المعروف في الورود والصحيح أن المراد به المرور على الصراط وهو منصوب على ظهر جهنم أعاذنا الله منها ومن سائر المكروه، وأما من كانت له معصية كبيرة، ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى، فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولا وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذبه القدر الذي يريده سبحانه وتعالى ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل، هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به من الأمة على هذه القاعدة، وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي. فإذا تقررت هذه القاعدة حمل عليها جميع ما ورد من أحاديث الباب وغيره، فإذا ورد حديث في ظاهره مخالفة وجب تأويله عليها ليجمع بين نصوص الشرع. انتهى. ويقول في موضع آخر في شرحه لحديث: من مات وهو يعلم أن لا اله إلا الله دخل الجنة. أثناء حديثه عمن عصى الله من أهل الشهادتين: فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: دخل الجنة. أي دخلها بعد مجازاته بالعذاب، وهذا لا بد من تأويله لما جاء في ظواهر كثيرة من عذاب بعض العصاة فلا بد من تأويل هذا لئلا تتناقض نصوص الشريعة. انتهى. والله أعلم.