نصرة الدين غير محصورة في عمل أو مشروع معين

0 318

السؤال

أنا شاب أعمل مهندسا، مشكلتي أني لم أقدم شيئا للبشرية ولا للأمة الإسلامية، أتحسر على هذه اللحظات التي تنقضي من عمري هكذا لا أدري ماذا أفعل؟ حاولت أن أجمع زملائي للقيام بمشروع يغني المسلمين عن المنتجات الغربية مثل الهاتف المحمول ولكن رفضوا هذه الفكرة، أنا أؤكد أننا قادرون على الإبداع ولكن ما ينقصنا هو الإرادة ووحدة الهدف، أنا لا أستطيع أن أفعل شيئا بمفردي، التقنية اليوم تتطلب أموالا وكفاءات. حاولت السفر للغرب للدراسة واكتساب الخبرة ومن ثم العودة لنفع المسلمين لكن ليست لدي الأموال الكافية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فليس لدي علم شرعي لأنفع به الناس، أضف إلى ذلك الذنوب فبأي وجه أقابل الله تعالى. هل هذا قدر الله وحكمته أم هو تقصير مني أم هي عقوبة نتيجة ذنوب؟ أم أن الله يصطفي من عباده من يشاء؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فتحرك مثل هذا الشعور الطيب بداخلك والذي جعلك تتساءل كيف أخدم الأمة الإسلامية هو بداية ينبغي أن تقف عندها لتبدأ مرحلة العمل لخدمة هذا الدين العظيم، وخدمة هذه الأمة التي هي أحوج ما تكون في مثل هذه الأوقات إلى عمل، وبذل أبنائها الصادقين ليرفعوها إلى مكانتها التي كانت عليها.

ومن المؤكد أن لديك أيها الأخ الكريم قدرات وطاقات ليست مستغلة، ابذل وسعك في تعرفها واستغلالها، وإذا كنت لا تجد من يساعدك في مشروع رأيته فينبغي أن تبحث عن مشروع آخر يخدم أمتنا وتكون إمكاناته متوفرة وهنا يكمن الإبداع الذي ذكرت أننا قادرون عليه.

أخي الكريم لا تحصر وجوه الخير في بعض فرضيات في ذهنك، ولا تنظر إلا إليها فأبواب الخير كثيرة ومتنوعة. وإن أعظم هذه الأبواب وأول ما سيسألك ربك عنه هو عبادته وتوحيده سبحانه فلهذا خلقت، ومن أجل ذلك خلق الله العالم بما فيه من إبداع وإتقان، قال تعالى: وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون. {الذريات:56}. فإذا حققت هذه الغاية فهل تراك لم تفعل شيئا في حياتك؟!

إن خدمة هذا الدين أمنية عزيزة وهدف سام نبيل لمن رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، إنه حلم يراود الكبار والصغار والرجال والنساء، لكن الجنة سلعة الله الغالية ولا تنال بالأماني والأحلام. وقد وفق الله من شاء من عباده للقيام بأمر هذا الدين ونصرة أهله والدفاع عنه والدعوة له، وحرم آخرون من هذا الخير بسب أنفسهم وضعفها وجبنها وخورها وشحها وبخلها وتلبيس إبليس عليها.

خدمة الإسلام: شرف ما بعده شرف، وعز ما بعده عز. خدمة هذا الدين: رفعة وعزة، وعلو منزلة، تسير في طريق سار عليه محمد صلى الله عليه وسلم وتقتفي أثره. خدمة الإسلام: ليست قصرا على العلماء والفقهاء والمحدثين، وليست قصرا على الأغنياء والموسرين. إنها باب مفتوح لكل مسلم ومسلمة، والناس ما بين مقل ومستكثر.

فلا تيأس بل ابحث عن فرص مواتية واستغل قدراتك، واستعن بالله وشمر عن ساعد الجد، وابحث عن أعوان على الخير يساعدونك ويشدون من أزرك وستصل بإذن الله إلى ما تصبو إليه.

أخي الكريم: أقلع عن الذنوب وتب إلى الله فهذا بداية النصر، واعلم أن الصدق يبلغ بأهله وإن كانوا ضعفاء فقراء ما لا تبلغه الملايين من الأموال، هل تعلم أن درهما سبق مائة ألف درهم، وبلغ صاحبه به عند الله منزلة لم يبلغها صاحب مئات الآلاف؟! عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سبق درهم مائة ألف درهم. قالوا: وكيف؟ قال: كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها. رواه النسائي وحسنه الألباني.

فالعبرة ليست بكثرة الأعمال ولكن بإتقانها وإخلاصها لله، وهذه الأعمال هي التي تنتصر بها الأمة وإن كان أصحابها ضعفاء خاملين. وفي الحديث الصحيح قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم. رواه البخاري والنسائي واللفظ له.

أخي الكريم: إن لم تكن تعلمت علما شرعيا فلماذا ولديك العقل المميز والرغبة في الخير؟ لماذا لا تبدأ بتعلم ما هو واجب عليك وتعلمه غيرك فتنقذ نفسك وغيرك من الجهل الذي هو من أسباب تأخرنا؟!

أخي الكريم: إن الأماني رؤوس أموال المفاليس، وما من إنسان إلا وقد وهبه الله من الخير ما يستطيع أن ينفع به نفسه وأمته، ألم يأتك نبأ الرجل الذي يتقلب في الجنة ؟ هل تعلم لماذا؟ سأخبرك عن السبب وهو في هذا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس.

فلا تحقرن من المعروف شيئا، وأعمال الخير الدينية والدنيوية التي تنفع نفسك أولا وأمتك ثانيا كثيرة كثيرة، فاستعن الله وابدأ.

 واعلم أن كل شيء بقدر كما قال سبحانه: إنا كل شيء خلقناه بقدر. {القمر:49}. ولكن المؤمن لا يحتج بالقدر على المعاصي، وعلى ما نحن فيه من تقصير ولذا كان أهل العلم يقولون: القدر يحتج به على المصائب لا على المعائب.

 قال الشيخ مرعي الحنبلي: وأما الذنوب فليس لأحد أن يحتج على فعلها بقدر الله، بل عليه أن لا يفعلها، وإذا فعلها فعليه أن يتوب منها كما فعل آدم عليه السلام. قال بعض السلف: اثنان أذنبا، آدم وإبليس، فآدم تاب فتاب الله عليه واجتباه، وإبليس أصر على معصيته واحتج بالقدر فلعن وطرد، فمن تاب من ذنبه أشبه بآدم، ومن أصر وأحتج بالقدر أشبه إبليس، ومن تاب لا يحسن لومه على ذنبه الذي صدر منه. اهـ.

ولكي تشحذ همتك وتتعرف على ألوان مما يمكن أن تخدم به هذا الدين وعلى قصص نفر ممن خدموا هذا الدين أنصحك بقراءة رسالة: كيف أخدم الإسلام ؟ للشيخ عبد الملك القاسم، والله الموفق.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة