السؤال
ما هو القول الفصل فى أدنى السر فى الصلاة السرية؟ هل يكفى تحريك اللسان والشفتين؟ أم لابد من رفع الصوت لإسماع الشخص نفسه أو من بجواره؟ أى: هل لابد أن يسمع الشخص نفسه فى الصلاة السرية؟ وما رأى فضيلتك فى أن عددا كبيرا من المصلين يكتفى بتحريك اللسان والشفتين فى الصلاة السرية دون إصدار أى صوت ولو خافت؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فخلاف العلماء في هذه المسألة مشهور وهي: هل يشترط أن يسمع المصلي نفسه إذ لا عارض، أو يكفي تحريك اللسان والشفتين، وإخراج الحروف من مخارجها؟ فذهب أكثر أهل العلم إلى وجوب أن يسمع المصلي صوت نفسه، قال ابن قدامة ـ رحمه الله: يجب على المصلي أن يسمعه نفسه ـ يعني: التكبيرـ إماما كان أو غيره، إلا أن يكون به عارض من طرش، أو ما يمنعه السماع، فيأتي به بحيث لو كان سميعا أو لا عارض به سمعه، ولأنه ذكر محله اللسان، ولا يكون كلاما بدون الصوت، والصوت ما يتأتى سماعه، وأقرب السامعين إليه نفسه، فمتى لم يسمعه لم يعلم أنه أتى بالقول، ولا فرق بين الرجل والمرأة فيما ذكرناه. انتهى .
وقال النووي ـ رحمه الله: وأدنى الإسرار أن يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض عنده من لغط وغيره، وهذا عام في القراءة والتكبير والتسبيح في الركوع وغيره، والتشهد والسلام والدعاء ـ سواء واجبها ونفلها ـ لا يحسب شيء منها حتى يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض. انتهى.
وذهب المالكية ـ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وترجيح الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ إلى أنه يكفي تحريك اللسان والشفتين وإخراج الحروف من مخارجها.
جاء في مختصر خليل ممزوجا بشرحه للدردير: وخامسها: فاتحة أي قراءتها بحركة لسان على إمام وفذ أي منفرد، لا على مأموم، هذا إذا أسمع نفسه، بل وإن لم يسمع نفسه، فإنه يكفي في أداء الواجب.
وقال في مواهب الجليل: قال ابن ناجي في شرح الرسالة: اعلم أن أدنى السر أن يحرك لسانه بالقراءة، وأعلاه أن يسمع نفسه فقط، وأدنى الجهر أن يسمع نفسه ومن يليه، وأعلاه لا حد له. انتهى.
زاد في شرح المدونة: فمن قرأ في قلبه في الصلاة فكالعدم، ولذلك يجوز للجنب أن يقرأ في قلبه، وقال ابن عرفة: وسمع سحنون ابن القاسم: تحريك لسان المسر فقط يجزئه، وأحب إسماع نفسه. انتهى.
وقال المرداوي ـ رحمه الله: قوله: وبالقراءة بقدر ما يسمع نفسه: يعني أنه يجب على المصلي أن يجهر بالقراءة في صلاة السر وفي التكبير وما في معناه بقدر ما يسمع نفسه، وهذا المذهب، وعليه الأصحاب، وقطع به أكثرهم، واختارالشيخ تقي الدين ابن تيمية الاكتفاء بالإتيان بالحروف، وإن لم يسمعها، وذكره وجها في المذهب، قلت: والنفس تميل إليه. انتهى.
وقال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ مرجحا هذا القول في الشرح الممتع: وقوله: ويقول، إذا قلنا: إن القول يكون باللسان، فهل يشترط إسماع نفسه لهذا القول؟ في هذا خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: لا بد أن يكون له صوت يسمع به نفسه، وهو المذهب، وإن لم يسمعه من بجنبه، بل لا بد أن يسمع نفسه، فإن نطق بدون أن يسمع نفسه فلا عبرة بهذا النطق، ولكن هذا القول ضعيف، والصحيح: أنه لا يشترط أن يسمع نفسه، لأن الإسماع أمر زائد على القول والنطق، وما كان زائدا على ما جاءت به السنة فعلى المدعي الدليل، وعلى هذا: فلو تأكد الإنسان من خروج الحروف من مخارجها، ولم يسمع نفسه، سواء كان ذلك لضعف سمعه، أم لأصوات حوله، أم لغير ذلك، فالراجح أن جميع أقواله معتبرة، وأنه لا يشترط أكثر مما دلت النصوص على اشتراطه وهو القول. انتهى.
إذا علمت هذا وعلمت أقوال العلماء واختلافهم في هذه المسألة تبين لك أن القول بعدم اشتراط أن يسمع المصلي نفسه لا يخلو من قوة، وهو قول من ذكرنا من العلماء، فمن كان مقلدا لهم فهو في سعة من أمره، ولكن الأحوط والأبرأ للذمة الخروج من خلاف العلماء وأن يتحرى المصلي أن يسمع نفسه أذكار الصلاة وهو قول الجمهور كما قدمنا.
والله أعلم.