السؤال
يقول الله عز وجل: إنه لو وجد إلهان على عالمنا لفسدت الأرض، فهل من صفات الإله الطغيان والعلو فرضا؟ فمثلا: تلك الآية لو فرضنا ما قاله الله تعالى بوجود إلهين.
مجرد سؤال لا أكثر.
يقول الله عز وجل: إنه لو وجد إلهان على عالمنا لفسدت الأرض، فهل من صفات الإله الطغيان والعلو فرضا؟ فمثلا: تلك الآية لو فرضنا ما قاله الله تعالى بوجود إلهين.
مجرد سؤال لا أكثر.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الله جل وعلا يقول الحق وهو يهدي السبيل، ومن أصدق من الله قيلا؟ ومن أصدق من الله حديثا؟ قال الله تعالى: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون {الأنبياء:22}.
قال القرطبي في تفسيره للآية: أي لو كان في السموات والأرضين آلهة غير الله معبودون لفسدتا.
وقال الفراء: إلا ـ هنا في موضع سوى، والمعنى: لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسد أهلها.
وقال غيره: أي لو كان فيهما إلهان لفسد التدبير، لأن أحدهما إن أراد شيئا والآخر ضده كان أحدهما عاجزا.
وقيل: معنى: لفسدتا ـ أي خربتا وهلك من فيهما بوقوع التنازع بالاختلاف الواقع بين الشركاء. انتهى مع حذف.
وقال تعالى: ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون {المؤمنون:91}.
قال القرطبي: والمعنى: لو كانت معه آلهة لانفرد كل إله بخلقه ـ ولعلا بعضهم على بعض ـ أي ولغالب وطلب القوي الضعيف كالعادة بين الملوك، وكان الضعيف المغلوب لا يستحق الإلهية.
وقال ابن كثير: أي: لو قدر تعدد الآلهة، لانفرد كل منهم بما يخلق، فما كان ينتظم الوجود.
والمشاهد أن الوجود منتظم متسق، كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت.
ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه، فيعلو بعضهم على بعض.
والمتكلمون ذكروا هذا المعنى وعبروا عنه بدليل التمانع، وهو أنه لو فرض صانعان فصاعدا، فأراد واحد تحريك جسم وأراد الآخر سكونه، فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين، والواجب لا يكون عاجزا ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد، وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد، فيكون محالا، فأما إن حصل مراد أحدهما دون الآخر، كان الغالب هو الواجب، والآخر المغلوب ممكنا، لأنه لا يليق بصفة الواجب أن يكون مقهورا، ولهذا قال: ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون.
أي: عما يقول الظالمون المعتدون في دعواهم الولد أو الشريك علوا كبيرا.
فإن قيل: ألا يمكن أن يتفق الإلهان على أن لا يبغي بعضهم على بعض وبالتالي ينتظم أمر العالم؟ قيل: هذا لا يخلو من مصانعة كل منهما للآخر.
قال ابن عاشور: ويجوز اتفاق الآلهة أيضا على أن لا يعتز بعضهم على بعض بسبب تفاوت ملكوت كل على ملكوت الآخر، بناء على ما اتصفوا به من الحكمة المتماثلة التي تعصمهم عن صدور ما يؤدي إلى اختلال المجد الإلهي، إلا أن هذا المعنى لا يخلو من المصانعة وهي مشعرة بضعف المقدرة. التحرير والتنوير.
ومما سبق تتضح دلالة الآية على اتصاف الإله الحق وانفراده بالعلو والقهر ونفوذ المشيئة والإرادة.
وأما الطغيان فلا يتأتى في حقه، إذ الطغيان هو مجاوزة الحد، والإله الحق سبحانه أن يكون محدودا بحد، فإن الكل ملكه، ومهما فعل فهو إنما يتصرف في ملكه، فكيف يمكن وصفه بمجاوزة الحد؟ هذا مع أن الله سبحانه وتعالى قد حرم الظلم على نفسه، وكتب على نفسه الرحمة، ومن صفاته: العدل والحق.
والله أعلم.