السؤال
شخص كبير في السن كان يستمني في صغره في بعض الأيام في رمضانات سابقة، لأنه لم يكن يعلم الحكم وكذا نسي عندما بلغ هل صام رمضان في العام الذي بلغ فيه أم لا؟ فهو لم يتذكرعدد الأيام التي استمنى فيها وهل صام أول عام بلغ فيه أم لا؟ فصام عدة أيام غير مرتبة مفردة على مدار أكثر من عام ونوى بقلبه الآتي عند صوم أي يوم: قضاء يوم مما عليه، لصعوبة العد، ولأنه لو أخطأ في الرقم سيبطل اليوم الذي صامه فنوى بقلبه، لأن التلفظ بدعة ـ نويت الصيام عن قضاء يوم من أيام رمضانات السابقة التي علي ـ وأحيانا أضاف وأحيانا لم يضف إيمانا واحتسابا لوجه الله الكريم.
قدرا كان يقرأ في كتاب للفتاوى فوجد في الجزء الخاص بالصيام أن من كان في مثل حالته يشترط عليه الترتيب في القضاء، فهل رمضان الذي يشك في عدم صيامه سنة البلوغ يصح أن يصومه بدون ترتيب بنفس النية السابقة؟ أي كلما تيسر صام بنية يوم مما عليه وتقسيمه مثلا: على سنتين أو ثلاث وبدون تتابع أي مثلا: السبت وبعدها بأسبوع يوم الأربعاء وهكذا بدون متابعة، أم يشترط لصحة القضاء تتابع لا يتخلله رمضان الحاضر؟ وهل يكفي في النية: نويت قضاء يوم من الأيام التي علي من رمضانات سابقة؟ ونرجو معرفة، هل يصح ذلك؟ لأنه أيسر لهذا الشخص ولا يوقعه ذلك في حرج؟ وما مدى صحة ما قضاه من أيام؟ لأنه لم يحدد ترتيب اليوم الذي عليه، لأنه لا يتذكر ما عليه ولا يتذكر ما قضى، وهل تجب عليه إعادة ما صام؟ وهل يشترط تحديد اليوم بالرقم كأن ينوي قضاء اليوم الخامس؟ أم يصح أن يجعلها مبهمة كما فعل؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولا أن من فعل مفطرا جاهلا بالحكم فقد اختلف أهل العلم، هل يجب عليه القضاء أو لا؟ والأحوط هو القضاء خروجا من الخلاف وإن كان القول بعدم لزوم القضاء قولا قويا، قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله: والصائم إذا فعل ما يفطر به جاهلا بتحريم ذلك: فهل عليه الإعادة؟ على قولين في مذهب أحمد، والأظهر أنه لا يجب قضاء شيء من ذلك, ولا يثبت الخطاب إلا بعد البلاغ, لقوله تعالى: لأنذركم به ومن بلغ.
وقوله: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا.
ولقوله: لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
ومثل هذا في القرآن متعدد, بين سبحانه أنه لا يعاقب أحدا حتى يبلغه ما جاء به الرسول.
وأطال ـ رحمه الله ـ في الاستدلال لهذا القول.
وسئل فضيلة الشيخ العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ عن شاب استمنى في رمضان جاهلا بأنه يفطر وفي حالة غلبت عليه شهوته، فما الحكم؟ فأجاب فضيلته بقوله: الحكم أنه لا شيء عليه، لأننا قررنا فيما سبق أنه لا يفطر الصائم إلا بثلاثة شروط: العلم، والذكر، والإرادة، ولكني أقول: إنه يجب على الإنسان أن يصبر عن الاستمناء، لأنه حرام.
وأما ما شك في أنه صامه من الأيام فلا بد له من قضائه حتى تبرأ ذمته بيقين، وانظر الفتوى رقم: 52078 ولا يجب في نية القضاء تعيين السنة التي يقضي صومها ولا اليوم الذي أفطره، بل يكفي أن ينوي بقلبه أنه صائم غدا عن قضاء ما عليه من صيام، والأمر بحمد الله يسير.
قال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: ولو كان عليه قضاء رمضانين فنوى صوم غد عن قضاء رمضان جاز وإن لم يعين أنه عن قضاء أيهما، لأنه كله جنس واحد؛ قاله القفال في فتاويه، قال: وكذا إذا كان عليه صوم نذر من جهات مختلفة فنوى صوم النذر جاز وإن لم يعين نوعه، وكذا الكفارات كما مرت الإشارة إليه. انتهى.
وبهذا التفصيل تعلم أن الواجب على هذا الرجل أن يحسب عدد الأيام التي يلزمه قضاؤها، وأن يحسب ما صامه فيما مضى بنية القضاء فإنه وقع مجزئا عنه، فإن بقي عليه شيء بادر بقضائه وإن كان قد وفى ما عليه فقد برئت ذمته.
واعلم أن القضاء واجب على الفور في حق من تعدى بالفطر فلا يجوز تأخيره، قال في مغني المحتاج: ومن تلبس بقضاء لصوم فات عن واجب حرم عليه قطعه جزما إن كان قضاؤه على الفور وهو صوم من تعدى بالفطر حتى لا يجوز التأخير بعذر السفر، كما نقلاه عن البغوي وأقراه تداركا لما وقع فيه من الإثم، انتهى.
وعليه، فما قضاه هذا الرجل فيما مضى صحيح -كما بينا- وعليه أن يقضي ما بقي، فإن جهل عدد ما عليه من الأيام قضى ما يحصل له به اليقين أو غلبة الظن ببراءة الذمة وليس له تأخير القضاء لا لوجوب التتابع في القضاء ولكن لأنه متعد بالفطر فكان قضاؤه على الفورعلى ما مر، ثم الواجب على هذا الرجل فدية طعام مسكين عن كل يوم أخر قضاءه مع القدرة حتى مضى رمضان التالي إلا أن يكون جاهلا بحرمة التأخيرعلى ما هو مبين في الفتوى رقم: 123312.
والله أعلم.