الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل في رسم ذوات الأرواح التحريم، وقد رخص بعض أهل العلم فيما كان لتعليم الأولاد، كما أجاز بعضهم الرسوم الإلكترونية التي لا تشتمل على ما يخل بالعقيدة وغير ذلك من المحاذير الشرعية.
ولا شك أن الأولى هو الاشتغال برسم ما لا روح فيه احتياطا وخروجا من الخلاف، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 100362، وما أحيل عليه فيها.
ورخص كثير من أهل العلم أيضا فيما كان ناقص الخلقة نقصا لا تمكن حياة ذي الروح مع وجود ذلك النقص، ويتأكد ذلك إذا ما كان النقص في الرأس، وذلك كصورة اليد أوالقدم كما في السؤال، وراجع في ذلك الفتاوى التالية أرقامها: 4138، 31687، 22695.
قال ابن قدامة في المغني: إن قطع رأس الصورة ذهبت الكراهة، روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني جبريل فقال: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل, وكان في البيت ستر فيه تماثيل, وكان في البيت كلب, فمر برأس التمثال الذي على الباب فيقطع, فيصير كهيئة الشجر ومر بالسترفلتقطع منه وسادتان منبوذتان يوطآن, ومر بالكلب فليخرج. ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإن قطع منه ما لا يبقى الحيوان بعد ذهابه كصدره أو بطنه, أو جعل له رأس منفصل عن بدنه لم يدخل تحت النهي، لأن الصورة لا تبقى بعد ذهابه, فهو كقطع الرأس، وإن كان الذاهب يبقي الحيوان بعده كالعين واليد والرجل فهو صورة داخلة تحت النهي.
وكذلك إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس، أو رأس بلا بدن أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان, لم يدخل في النهي، لأن ذلك ليس بصورة حيوان.اهـ.
والصورة غير الواضحة بحيث من يراها لا يمكنه تمييز ملامحها، لا تدخل في النهي ـ إن شاء الله ـ وهي أولى بذلك من الصورالصغيرة المتضحة المعالم والتي قد أجازها طائفة من أهل العلم، جاء في الموسوعة الفقهية: صرح الحنفية أن الصور الصغيرة لا يشملها تحريم الاقتناء والاستعمال، بناء على أنه ليس من عادة عباد الصور أن يستعملوها كذلك، وضبطوا حد الصغر بضوابط مختلفة، قال بعضهم: أن تكون بحيث لا تبدو للناظر إلا بتبصر بليغ.
وقال بعضهم: أن لا تبدو من بعيد.
وقال صاحب الدر: هي التي لا تتبين تفاصيل أعضائها للناظر قائما وهي على الأرض. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 54948.
وأما صورة الأشياء غير الموجودة في الواقع فإنها إن كانت لذي روح فهي محرمة، لما روى مسلم عن عائشة قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت على بابي درنوكا فيه الخيل ذوات الأجنحة، فأمرني فنزعته.
ووجه الدلالة أن الخيل ذوات الأجنحة لا نظير لها في الواقع، وقال أ.د. عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار في كتاب صناعة الصورة باليد: إن قال قائل: إن هذه الصورة الكاريكاتورية مشوهة الخلقة ولا نظير لها في الواقع، قلنا: هذا تعليل باطل من وجوه: الأول: أن هذا رسم باليد لذي روح، فإن كانت الصورة لذي روح فلا أثر لما تدعونه من كونها لا نظير لها. اهـ.
وقال الأستاذ محمد بن أحمد علي واصل في كتاب أحكام التصوير في الفقه الإسلامي: إن قيل: إن هذه الصورة من قسم المباح لكونها مشوهة الخلقة، أو لكونها لا نظير لها في الواقع، فالجواب: أن تشويه الصورة لا يكون فيه إهانة لها، وإهانتها لا تكون إلا بوطئها المشعر بعدم تكريمها ومحبتها، وأما كونها لا نظير لها، فقد تقدم أن هذه علة لا أثر لها في الحكم، فمتى كانت الصورة تحمل ملامح ذوات الروح كانت محرمة ـ سواء كان لها نظير أو لا. اهـ.
وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 34635، أن رسم ما له روح يشمل رسم كائنات لا مثيل لها في الواقع، قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر: ولو صورة لا نظير لها كفرس لها أجنحة.هـ.
وفي حاشية البجيرمي: ولو لما لا نظير له كبقر له منقار أو جناح. اهـ.
والخلاصة أن استعمال صورة ما له روح منهي عنه، ولو كان لشخصيات لا نظير لها في الواقع، وأما استعمال صورة جزء إنسان كاليد والقدم والعينين والشفتين فلا يدخل في النهي، وكذلك الصورة غير واضحة المعالم التي لا تتميز ملامحها.
والله أعلم.