حكم العادة السرية لمن اضطر إليها

0 584

السؤال

بادئ ذي بدء أشكر كل من ساهم في إنشاء هذا الموقع فردا فردا، وثبت الله خطاكم وأدامكم ذخرا لكل المسلمين وبعد.
سؤالي كالتالي: دعتني امرأة ذات جمال ومنصب للزنى، وأغوتني وأغواني الشيطان فحددنا موعدا نلتقي فيه، وكان كل شيئا ميسرا، لكني رجعت إلى نفسي، وعدت إلى الرحمن، فخوفي من عقاب ربي في الدنيا والآخرة أقض مضجعي، وعدلت عن هذه الفكرة والحمد لله، ولكن استخدمت الاستمناء للتخفيف من حدة الشهوة، بعد ذلك اتصلت بها وغيرت موقفي، وقلت في نفسي (إني أخاف الله رب العالمين) ولم ألتق بها بتوفيق من الله عز وجل، فقد خفت حقا أن أقع في هذه الفاحشة، ودعوت الله في نفسي أن يجعل الإنسانة التي أحب زوجتي على سنة الله ورسوله. فهل بفعلي هذا يستجيب الله لي؟ أرجو أن أكون قد وضحت سؤالي. وهل بارتكابي الاستمناء أثمت، علما أنني أستخدمته خوفا من الزنى؟ وهل أؤجر على الابتعاد عنه أم لا؟ أرجو أن تجيبوني وتخرجوني من حيرتي؟ ولكم مني جزيل الشكر والعرفان.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحمد لله الذي ثبتك على طريق العفة، وصرف عنك هذا الإثم العظيم، ونسأله سبحانه أن يديم لك العافية، وأن يصرف عنك كيد شياطين الجن والإنس، ولا شك أن انصرافك عن هذه الفاحشة خوفا من الله سبحانه من الطاعات العظيمة، وهو من الأسباب التي تجعل العبد ينعم بظل الله يوم القيامة في يوم تدنو فيه الشمس من الرؤوس، ويأخذ العرق الناس على قدر أعمالهم، ولا ظل حينئذ إلا ظل الرحمن، فقد جاء في الحديث المتفق عليه: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه.

وإذا ثبت أن هذا من الأعمال الصالحة فإن التوسل إلى الله سبحانه بالعمل الصالح لاستجلاب نعمة أو دفع نقمة أمر مشروع، وفي حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فانسد عليهم بصخرة عظيمة ما يدل على جواز ذلك، فقد توسل كل واحد منهم بعمل صالح، وكان هذا سببا في نجاتهم، فعن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت في غار فدخلوه فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فنأى بي في طلب شيء يوما فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة؟ فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج، وقال الآخر: اللهم كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت حتى إذا قدرت عليها قالت: لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه فتحرجت من الوقوع عليها فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه... فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها، وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدني أجري فقلت له: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، فقلت: إني لا استهزئ بك فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون.

 جاء في فتح الباري لابن حجر: وفي هذا الحديث استحباب الدعاء في الكرب والتقرب إلى الله تعالى بذكر صالح العمل واستنجاز وعده بسؤاله. انتهى.

وعليه فلا حرج عليك أن تتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بهذا العمل أن يرزقك الزواج بمن تحب.

أما الاستمناء فهو عادة قبيحة محرمة لها آثار كبيرة سيئة، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 7170.

لكن إن تعين طريقا لكسر الشهوة خوف الوقوع في الزنا بمعنى أن الشخص كان على وشك الوقوع في الزنا -والعياذ بالله- ولم يكن أمامه من طريق لدفع الفاحشة عن نفسه إلا بالاستمناء وإلا وقع في المحظور، فهنا يجوز له كسر شهوته بالاستمناء، ويكون هذا من باب ارتكاب أخف الضررين وفعل أقل المفسدتين، فإن أقدم عليها والحال هذه فإنه لا يأثم بذلك إن شاء الله؛ لأن حالة الاضطرار يرتفع فيها الإثم.

 يقول الشيخ الزرقا في بيان مذهب الأحناف في هذه العادة: فإذا خشي الوقوع في محظور أعظم كالزنى أو الاضطرابات النفسية المضرة، فإنها تباح في حدود دفع ذلك على أساس أن الضرورات تقدر بقدرها. انتهى.

فقوله (تباح) دليل على أنه لا يأثم فاعلها في هذه الحالة؛ لأن الإثم لا يقال عنه إنه مباح، لكن يبقى النظر في حالتك أنت، فإن كنت قد وصلت إلى حالة الاضطرار هذه فلا حرج عليك فيما فعلت، أما إن كنت لم تصل إلى هذه الدرجة فهنا يكون الحرج، وعليك أن تستغفر الله من ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة