السؤال
قلت في الماضي (لا أعلم إن كنت بالغا أو لا ) أني تمنيت إن ولدت نصرانيا لأتخلص من عناء الصلاة لأني كنت في ذلك الوقت أعاني من الوسوسة في العبادات وأيضا الوسوسة في العقيدة وبحمد الله تخلصت من جميع هذه الوساوس، لكن بعد فترة أحسست أني وقعت في ذنب عظيم من تلك العبارة فتبت إلى الله بالاستغفار والندم والجزم بعدم الرجوع إلى قول مثل تلك العبارة.سؤالي لكم: هل أنا ارتددت عن الإسلام؟ وكيف هي صفة التوبة من هذا الذنب؟ وهل يحق لي أن أكتم توبتي دون ان يدري أحد؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمثل هذه الكلمة مقولة كفرية، فلو قالها بالغ عاقل مختار عامد، لكفر بذلك والعياذ بالله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول: من قال بلسانه كلمة الكفر من غير حاجة عامدا لها، عالما بأنها كلمة كفر، فإنه يكفر بذلك ظاهرا وباطنا، ولا يجوز أن يقال إنه في الباطن يجوز أن يكون مؤمنا. ومن قال ذلك فقد مرق من الإسلام، قال الله سبحانه: من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالأيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم. {النحل: 106}. ومعلوم أنه لم يرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط؛ لأن ذلك لا يكره الرجل عليه، وهو قد استثنى من أكره، ولم يرد من قال واعتقد؛ لأنه استثنى المكره، وهو لا يكره على العقد والقول، وإنما يكره على القول فقط، فعلم أنه أراد من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم، وأنه كافر بذلك، إلا من أكره وهو مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرا من المكرهين فإنه كافر أيضا، فصار كل من تكلم بالكفر كافرا إلا من أكره فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وقال تعالى في حق المستهزئين: لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم. {التوبة: 66}. فبين أنهم كفار بالقول مع أنهم لم يعتقدوا صحته، وهذا باب واسع، والفقه فيه ما تقدم من أن التصديق بالقلب يمنع إرادة التكلم وإرادة فعل فيه استهانة واستخفاف. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: أجمعت الأمة على أن القول منوط بقائله إذا كان مكلفا، إن خيرا وإن شرا؛ لقول الله تعالى: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد. وأن قول الكفر من مكلف غير مكره كفر. اهـ.
أما إن حصل مثل هذا الكلام من صبي دون البلوغ ففيه تفصيل عند العلماء.
جاء في الموسوعة الفقهية: يشترط في تكفير المسلم أن يكون مكلفا مختارا عند صدور ما هو مكفر منه، فلا يصح تكفير صبي ومجنون ... لعدم تكليفهم، فلا اعتداد بقولهم واعتقادهم. وكذلك لا يجوز تكفير مكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان؛ قال تعالى: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان. وجرى الخلاف بين الفقهاء في صحة تكفير الصبي المميز والسكران إذا صدر منهما ما هو مكفر. فذهب الحنفية والحنابلة إلى صحة تكفير الصبي المميز إذا صدر منه ما هو مكفر. ويفهم من كلام المالكية تقييده بالصبي المميز المراهق فقط. وذهب الشافعية إلى عدم صحة تكفير الصبي المميز لعدم تكليفه. مع اتفاقهم على أنه لا يقتل بل يجبر على الإسلام بالضرب والتهديد والحبس. اهـ.
وكذلك المصاب بالوسوسة إذا وصل به المرض إلى حد يغيب معه عقله، ولا يستطيع التحكم في تصرفاته، فلا يكفر بما قد يصدر عنه في هذه الحال، وهو في حكم المكره.
جاء في الموسوعة الفقهية: اتفق العلماء على تكفير من صدر منه قول مكفر، سواء أقاله استهزاء أم عنادا أم اعتقادا؛ لقوله تعالى: قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم. وأما من سبق لسانه إلى الكفر من غير قصد لشدة فرح أو دهش أو غير ذلك أو أكره عليه، فإنه لا يكفر. اهـ.
وعلى أية حال فالسائل الكريم قد عافاه الله تعالى من الوسوسة، ووفقه سبحانه للاستغفار والتوبة بالندم والعزم على عدم معاودة مثل هذه العبارة، وهذا هو عين المراد، ولا يطلب منه سوى الوفاء بذلك والاستقامة عليه، مع الإكثار من الأعمال الصالحة. فقد قال الله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين. {هود: 114}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتبع السيئة الحسنة تمحها. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وحسنه الألباني. وراجع الفتويين: 120951 ، 118361 .
ولا يشترط لتوبة السائل الكريم أن يخبر من حوله من الناس بخطئه وتوبته، بل ينبغي أن يستر نفسه، ويحمد الله على ستره وعافيته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كل أمتي معافى إلا المجاهرين. متفق عليه. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 116692 وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.