السؤال
لقد أفطرت في نهار رمضان بعد عناء شديد وشعور بعدم الاستقرار الذهني، والحاجة الشديدة للأكل الذي فعلا ساعدني على التوازن ومتابعة عملي والتركيز فيما يدور حولي من الأعمال، والتواصل مع الغير. الرجاء إفادتي جزاكم الله خيرا؟
لقد أفطرت في نهار رمضان بعد عناء شديد وشعور بعدم الاستقرار الذهني، والحاجة الشديدة للأكل الذي فعلا ساعدني على التوازن ومتابعة عملي والتركيز فيما يدور حولي من الأعمال، والتواصل مع الغير. الرجاء إفادتي جزاكم الله خيرا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كانت حاجتك إلى الطعام قد بلغت منك مبلغا بحيث تخاف على نفسك من التلف إن لم تفطر، أو تلف بعض أعضائك، أو حصول مرض يبيح مثله التيمم كما ضبطه بذلك بعض الفقهاء، أو كنت محتاجا إلى العمل وتتضرر بتركه ولا تستطيع تأجيله إلى الليل ولا إنجازه بدون الفطر فلا إثم عليك في الفطر، بشرط أن تتناول من المفطر ما تندفع به حاجتك ثم تمسك بقية يومك، وعليك قضاء هذا اليوم، وأما إذا لم يكن شيء مما ذكرناه بل كان مجرد إعياء يمكن أن يحتمل، أو كنت تستطيع ترك العمل ذلك اليوم أو تأجيله إلى الليل، فلم يكن الفطر جائزا لك، وعليك والحال هذه أن تتوب إلى الله عز وجل من تعمد الفطر فإن الفطر في رمضان بغير عذر من الكبائر، وعليك قضاء هذا اليوم، وهذه نصوص بعض أهل العلم تدل على ما ذكرناه من جواز الفطر في الحالات المشار إليها آنفا بل وجوبه في بعضها.
قال ابن نجيم في البحر الرائق: وفي التبيين والصحيح الذي يخشى أن يمرض بالصوم فهو كالمريض، ومراده بالخشية غلبة الظن كما أراد المصنف بالخوف إياها وأطلق الخوف ابن الملك في شرح الجمع المجمع وأراد الوهم حيث قال: لو خاف من المرض لا يفطر. وفي فتح القدير: الأمة إذا ضعفت عن العمل وخشيت الهلاك بالصوم جاز لها الفطر وكذا الذي ذهب به متوكل السلطان إلى العمارة في الأيام الحارة والعمل الحثيث إذا خشى الهلاك أو نقصان العقل. انتهى.
وقال ابن حجر المكي: الذي دل عليه كلام الروضة وغيرها أنه لا يكفي خوف المشقة المذكورة حتى يخشى منها مبيح تيمم كما يدل عليه قول النووي من غلبه الجوع أو العطش فخاف الهلاك فله الفطر... قلت في حاشية العباب أي بأن يشق عليه الصوم معه أو خاف بسببه نحو زيادة مرض أو بطء برء أو غيرهما مما يبيح التيمم. انتهى بتصرف.
وفي حاشية إعانة الطالبين: قوله: ولخوف إلخ عطف على بمرض أي ويباح الفطر لخوف هلاك بالصوم أي على نفسه أو عضوه أو منفعته؛ لقوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج. {الحج: 87}. وقوله: ولا تقتلوا أنفسكم. {النساء 29}. وقوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. {البقرة: 195}. وقد علمت أنه في هذه يجب الفطر وليس بمباح فقط فلو تركه واستمر صائما حتى مات كما يقع من المتعمقين في الدين مات عاصيا. قوله: بالصوم متعلق بمحذوف صفة لهلاك والباء سببية أو بمعنى من التعليلية، وقوله: من عطش أو جوع أي يباح لخوف هلاك حاصل له بسبب الصوم أو من أجل الصوم من أجل الجوع أو العطش، قوله: وإن كان صحيحا مقيما غاية في إباحة الفطر لخوف الهلاك. وفي التحفة: لو توقف كسبه لنحو قوته المضطر إليه هو أو ممونه على فطره فظاهر أن له الفطر لكن بقدر الضرورة، قوله: ثم من لحقه إلخ أي ثم إذا بيت النية وأصبح صائما فإن لحقه من صومه مشقة شديدة بحيث تبيح التيمم أفطر، وإن لم تلحقه مشقة شديدة به فلا يفطر. انتهى بتصرف.
وفي فتاوى اللجنة الدائمة: إذا احتاج الصائم إلى الفطر في أثناء اليوم ولو لم يفطر خاف على نفسه الهلاك يفطر في وقت الضرورة وبعد تناوله لما يسد رمقه يمسك إلى الليل، ويقضي هذا اليوم الذي أفطره بعد انتهاء رمضان؛ لعموم قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. {البقرة 286}. وقوله تعالى: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج. {المائدة: 6}. انتهى.
والله أعلم.