السؤال
أنا أعمل مدرس اجتماعيات، وحصلت معي حادثة مع أحد الطلاب، فعندما كنت أشرح درس دوران الأرض، اعترض هذا الطالب على أن الأرض تدور، مستندا الى الآية الكريمة الواردة في سورة يس: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم)، فأرجو من حضرتكم أن ترسلوا لي معنى هذه الآية الكريمة، وماذا يقول الدين الإسلامي بخصوص دوران الأرض -جزاكم الله كل خير-؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب، نذكر بقاعدة عظيمة لأهل العلم وهي: أن قطعي الوحي وقطعي العقل، لا يتعارضان، فقطعي العقل، يؤيد قطعي الوحي؛ ولذا ألف شيخ الإسلام ابن تيمية كتابه العظيم: (درء تعارض العقل والنقل) في (11) مجلدا، فإن حدث تعارض بين العقل والنقل، فالقطعي منهما يقضي على الظني، وإن حدث تعارض بين ظني الوحي وظني العقل، فظني الوحي مقدم؛ حتى يثبت العقلي، أو ينهار.
ودوران الأرض حول نفسها، ثم حول المجموعة الشمسية، والمجموعة الشمسية بأكملها حول المجرة، كل ذلك أضحى حقيقة علمية، فدوران الأرض حول نفسها، ينتج منه الليل والنهار، ودوران القمر حولها، ينتج منه الشهر القمري، ودوران الأرض حول الشمس، ينتج عنه الفصول الأربعة، فهل هذه الحقيقة العلمية تعارض نصوص القرآن أم تؤيدها.
إذا نظرنا إلى قوله تعالى: والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم {يس:38}، وقوله تعالى: وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون {الأنبياء:33}، وقوله تعالى: وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى {لقمان:29}، فهذه الآيات تدل على جريان الشمس، والقمر، وبقية الأفلاك.
أما ما يدعيه بعض الناس من أن القول بدوران الأرض، لا يتفق مع القرآن، فليس مع أصحاب هذه الدعوى حجة، ولا دليل.
أما قوله تعالى: الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين [غافر:64]، وقوله: أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون [النمل:61]، وقوله: وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون [الأنبياء:31]، فهذه الآيات تدل على أن الأرض قرار بالنسبة لنا، وهذا ما نشعر به، ولكنها في ذاتها تدور، وتسبح، ولا تعارض بين هذا وذاك.
وكون الأرض تدور، لا يفيد أنها تضطرب، فاضطراب الأرض منفي بكتاب الله، حيث وصفها بالقرار، وثبتها بالجبال الرواسي؛ حتى لا تميد، وتضطرب بمن عليها، وخذ على ذلك مثلا مشاهدا: فالسفينة التي تسير في البحر، إن كانت خفيفة، لعب بها الموج، واضطربت يمنة ويسرة، فإذا وضعت فيها الأثقال، امتنعت عن الميلان، والاضطراب، فثبتت، ورسخت مع أنها متحركة.
ثم إذا كانت الشمس تجري، والأرض قابعة مكانها، لا تدركها، ولا تدور معها؛ لبقينا بلا شمس.
وإذا كان القمر، الذي أثبت الله سباحته في كتابه يسير، والأرض باقية؛ لبقينا بلا قمر.
فالثابت -فعلا- أن الكون يسبح، ويتحرك، هذا ما أثبته العلم، وليس في القرآن ما ينفيه أبدا.
والله أعلم.