السؤال
سأذكر القصة باختصار، ثم سأذكر تساؤلاتي عليها ... لقد تزوج والدي مرتين، وقد أنجب في المرة الأولى ولدين (صبي وبنت)، وفي المرة الثانية ثلاثة (أنا وأخت وأخ)، وقد سجل والدي لأخي (الأول) محلا لصناعة المعجنات منذ 20 عاما، وبعد 15 عاما أي من حوالي 5 سنين سجل والدي لي ولأخي محلا لبيع الألبسة بعد طلب دائم من والدتي بأن يعدل بيننا، وقد كان الرضى بالنسبة لنا بعد ذلك بالرغم من ان الحصة لنا أقل من حصة أخي حسب الأسعار حينها، وحتى الآن ورغم أننا قمنا ببيعه وتسديد مقدار كبير من ديون والدي، ولكن كان هناك أيضا توفيق من الله بشراء عقار زادت قيمته ( رغم الزيادة بقيت حصتي أقل من مقدار حصة أخي الأول بنسبة جيدة بالأسعار الحالية) ورغم ذلك وبعد إصرار من أخي وأختي (التي تدعي أن لا نصيب لها) قد كتب له أبي محلا آخر لتصبح حصته أكثر بكثير من حصتي أنا وأخي الثاني، وبقيت أختي الثانية من دون أي نصيب علما أن والدي قد أعطى والدتي قسما من محل على سبيل مهر، وبيتا على سبيل الهدية ( قد يكون فيما بعد مرجعهم إلينا نحن الثلاثة) وقد توفي والدي منذ فترة قبل أن يوضح سببا مقنعا لما فعله آخرا.
النقاط التي عليها تساؤلات:• هل يمكننا المطالبة بإعادة تقسيم المحل الأخير كميراث أم لا.• هل يمكننا المطالبة بما دفعناه من ديون قد دفعناها عن والدي.• وقد كان والدي تحت إشرافنا في مرضه من حيث مصاريفه العلاجية ومصاريفه الشخصية هل يمكننا المطالبة بتقسيم تكاليف علاجه أو اقتطاعها من الميراث.• هل يجب أن يكون هناك عطاء لأخي وأختي الأولين مقابل ما أعطاه لوالدتي.• بغض النظر عما حصل آخرا من أن والدتي قد كتب لأخي المحل الأخير هل يجب علينا مشاركة أخواتنا فيما أعطاه لنا والدي.• وفي حال اعتبار صحة ادعاء أن والدي ظلم أو قصر مع أخي وأختي من حيث المصاريف أو من الناحية المعنوية (وذلك غير صحيح) هل يصح تعويضهم بهذه الطريقة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإنه قد اختلف أهل العلم في وجوب العدل بين الأبناء في الهبات والراجح عندنا هو وجوب العدل، وإذا حيزت الهبة في حياة الوالد فمذهب الجمهور إنها تمضي، وذهب بعضهم إلى أن للمغبون المطالبة برد العطية حتى توزع الهبة بالعدل، ونحن ننصحكم بالحرص على حسن العلاقة بين الإخوة، وألا يكون المال سببا للشقاق بينهم.
وننصح السائل أن يعطي من لم يجد نصيبا من الأبناء والبنات؛ لأن بعض الموجبين للعدل يرى أن المعطى له ليس له الحق فيما أوثر به، قال ابن قدامة في المغني: فإن مات ولم يردده فقد ثبت لمن وهب له إذا كان ذلك في صحته. يعني إذا فاضل بين ولده في العطايا أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده ثبت ذلك للموهوب له ويلزم، وليس لبقية الورثة الرجوع. هذا المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم والميموني وهو اختيار الخلال وصاحبه أبي بكر، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم، وفيه رواية أخرى عن أحمد أن لسائر الورثة أن يرتجعوا ما وهبه. اختاره ابن بطة وأبو حفص العكبريان وهو قول عروة بن الزبير وإسحاق وقال أحمد عروة قد روى الأحاديث الثلاثة حديث عائشة وحديث عمر وحديث عثمان وتركها وذهب إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم -يرد في حياة الرجل وبعد موته- وهذا قول إسحاق إلا أنه قال إذا مات الرجل فهو ميراث بينهم لا يسع أن ينتفع أحد بما أعطي دون إخوته وأخواته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ذلك جورا بقوله -لا تشهدني على جور- والجور حرام لا يحل للفاعل فعله ولا للمعطى تناوله والموت لا يغيره عن كونه جورا حراما فيجب رده ولأن أبا بكر وعمر أمرا قيس بن سعد أن يرد قسمة أبيه حين ولد له ولد، ولم يكن علم به ولا أعطاه شيئا، وكان ذلك بعد موت سعد فروى سعيد بإسناده من طريقين أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده وخرج إلى الشام فمات بها ثم ولد بعد ذلك ولد فمشى أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى قيس بن سعد فقالا إن سعدا قسم ماله ولم يدر ما يكون وإنا نرى أن ترد هذه القسمة، فقال قيس: لم أكن لأغير شيئا صنعه سعد ولكن نصيبي له وهذا معنى الخبر ووجه القول الأول قول أبي بكر رضي الله عنه لعائشة لما نحلها نحلا وددت لو أنك كنت حزتيه فدل على أنها لو كانت حازته لم يكن له الرجوع وكذلك قول عمر لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد، ولأنها عطية لولده فلزمت بالموت كما لو انفرد وقوله إذا كان ذلك في صحته يدل على أن عطيته في مرض موته لبعض ورثته لا تنفذ لأن العطايا في مرض الموت بمنزلة الوصية في أنها تعتبر من الثلث إذا كانت لأجنبي إجماعا فكذلك لا تنفذ في حق الوارث، قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن حكم الهبات في المرض الذي يموت فيه الواهب حكم الوصايا هذا مذهب المديني والشافعي والكوفي فإن أعطى أحد بنية في صحته ثم أعطى الآخر في مرضه فقد توقف أحمد فيه فإنه سئل عمن زوج ابنه فاعطى عنه الصداق ثم مرض الأب وله ابن آخر هل يعطيه في مرضه كما أعطى الآخر في صحته، فقال: لو كان أعطاه في صحته فيحتمل وجهين: أحدهما: لا يصح لأن عطيته في مرض كوصيته ولو وصى له لم يصح فكذلك إذا أعطاه، والثاني: يصح لأن التسوية بينهما واجبة ولا طريق لها في هذا الموضع إلا بعطية الآخر فتكون واجبة. انتهى.
وأما ما أعطى لإحدى الزوجات على سبيل المهر فهو ملك لها ولا دخل له في الموضوع، وأما ما دفعتموه في قضاء دين الوالد فإن كنتم دفعتموه بنية الرجوع على التركة به فإن لكم الحق في ذلك، فإن قضاء الدين مقدم على تقسيم التركة، كما قال الله تعالى: من بعد وصية يوصى بها أو دين، وإن كنتم دفعتموه بنية الإحسان إلى الوالد فلا يحق لكم الرجوع فيه، ومثل هذا ما أنفق في مصاريف العلاج. وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8147، 6242، 47387، 110017، 113832.
والله أعلم.