السؤال
ما الحكم الشرعي في من أحرم من مكة بالحج متمتعا هل تجب علية شاة أم شاتان ؟ وفى حالة ما إذا أحرم من مكة قارنا فماذا عليه؟ وهل كان أفضل له الحج مفردا؟ (مع العلم أن من قام بهذا من غير أهل مكة) وهل حقا أن الإقامة في مكة بعد أداء النسك محرمة؟
ما الحكم الشرعي في من أحرم من مكة بالحج متمتعا هل تجب علية شاة أم شاتان ؟ وفى حالة ما إذا أحرم من مكة قارنا فماذا عليه؟ وهل كان أفضل له الحج مفردا؟ (مع العلم أن من قام بهذا من غير أهل مكة) وهل حقا أن الإقامة في مكة بعد أداء النسك محرمة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولا أن التمتع بالحج هو أن يحرم مريد النسك بالعمرة في أشهر الحج ثم يتحلل من عمرته ثم يحرم بالحج، وإذا كان مريد التمتع آفاقيا فإنه يحرم بالعمرة من الميقات، فإذا تحلل من عمرته أحرم بالحج من مكة لأن حكمه حكم المقيم بمكة فيحرم بالحج منها، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ومن كان دون ذلك فمهله من حيث أنشأ حتى أهل مكة يهلون من مكة. متفق عليه.
وعليه الهدي لتمتعه بالعمرة إلى الحج لقوله تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي. {البقرة:196}.
والهدي اللازم للمتمتع إذا كان من أهل الآفاق هو شاة واحدة أو شرك في دم سبع بدنة أو سبع بقرة، ولا يلزمه أكثر من ذلك.
قال ابن قدامة رحمه الله: فصل: والهدي الواجب بغير النذر ينقسم قسمين: منصوص عليه ومقيس على المنصوص. فأما المنصوص عليه فأربعة : اثنان على الترتيب والواجب فيهما ما استيسر من الهدي وأقله شاة أو سبع بدنة أحدهما دم المتعة قال الله تعالى : {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم}. انتهى.
وأما المكي فقد اختلف العلماء في مشروعية التمتع والقران له، فذهب الجمهور إلى أنها مشروعة في حقه وأنه لا دم عليه إذا حج قارنا أو متمتعا، خلافا لأبي حنيفة رحمه الله.
قال النووي في المجموع: مذهبنا أن المكي لا يكره له التمتع والقران وإن تمتع لم يلزمه دم وبه قال مالك وأحمد وداود، وقال أبو حنيفة يكره له التمتع والقران وإن تمتع أو قرن فعليه دم، واحتج أصحابنا بأن ما كان من النسك قربة وطاعة في حق غير المكي كان قربة وطاعة في حق المكي كالأفراد (والجواب) عن الآية أن معناها فمن تمتع فعليه الهدى إذا لم يكن من حاضرى المسجد فإن كان فلا دم فهذا ظاهر الآية فلا يعدل عنه. انتهى بتصرف.
وقد رجحنا مذهب الجمهور وهو أن المكي والمقيم بمكة له المتعة والقران وذلك في الفتوى رقم: 58504.
ثم إن المكي إذا أراد التمتع فإنه يحرم بالعمرة من أدنى الحل، لأن أدنى الحل هو ميقات المكي للعمرة كما هو معلوم، ثم يحرم بالحج من مكة كالآفاقي غير أنه لا دم عليه لما تقدم، وإذا حج الآفاقي قارنا فإنه يحرم من الميقات، وأما المكي فاختلف أهل العلم في موضع إحرامه فمنهم من قال يجب عليه الخروج إلى الحل، ومنهم من قال بل يحرم من مكة كما يحرم منها المفرد والمتمتع.
قال القفال الشافعي: ولا يكره للمكي ومن كان من حاضري المسجد الحرام القران والتمتع غير أنه لا يجب عليه دم وبه قال مالك، واختلف أصحاب مالك في إحرام القارن فمنهم من قال يحرم من مكة ومنهم من قال من أدنى الحل وعندنا يحرم من مكة. انتهى.
ثم إن الأنساك الثلاثة القران والتمتع والإفراد جائزة كلها بالاتفاق غير أن العلماء اختلفوا في أيها أفضل، وعند الحنابلة أن التمتع أفضل وهو المرجح عندنا، وعند المالكية والشافعية أن الإفراد أفضل، وعند الحنفية أن القران أفضل، وبسط أدلة المذاهب ومناقشتها مما لا يتسع له المقام، ولو حج المكي مفردا خروجا من الخلاف لكان ذلك حسنا، وبما تقدم تعلم أن المكي والمقيم بمكة لا حرج عليه في الحج متمتعا على الراجح لكنه يحرم بالعمرة من أدنى الحل كما مر، ولا حرج عليه كذلك في الحج قارنا وفي خروجه إلى أدنى الحل خلاف، ولا دم على المكي إذا تمتع أو قرن، وإنما يجب الدم على الآفاقي.
وأما الإقامة بمكة بعد أداء النسك فإن كان في ذلك مخالفة للقوانين المنظمة لشؤون الحج فلا ينبغي هذا لما يجر إليه ذلك من المفاسد ولما فيه من مخالفة الحكام، وأما نفس الإقامة بمكة بعد الفراغ من النسك فليست بمحرمة، وإن كان الأولى للأفقي أن يبادر بالرجوع إلى أهله، لقوله صلى الله عليه وسلم: السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته فليرجع إلى أهله. أخرجه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة، واستحباب استعجال الرجوع ولا سيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا ولما في الإقامة من تحصيل الجماعات والقوة على العبادة. انتهى.
والله أعلم.