السؤال
طلق زوج ـ وهو في بلد آخر ـ زوجته طلاقا ثالثا في الحيض، وقد علموا أن الطلاق لا يقع وقت الحيض ثم مع اختلاف الفتوى أصاب الزوجة قلق وهم ولم تعد تهتم بالزوج ـ كما كانت سابقا ـ إلا أنها تحبه، ونتيجة لذلك ولأشياء أخرى اتفقا على تثبيت الطلاق، فأرادت الزوجة الأطفال معها على أن يستأجر لهم بيتا يعيشون فيه لكنه أخل بوعده ولم يوفر لهم بيتا وبقيت الزوجة عند أهلها سنة كاملة مع الأطفال، وقد تأذت من أهلها هي وأطفالها، فالمشاكل في بيت أهلها لا تنتهي أبدا ـ بسبب أو بدون سبب ـ حتى علقت هي وأطفالها في مشاكلهم مع أنه لا دخل لهم بها، لكن كانوا يفرغون غضبهم فيهم وأصبحت ترد عليهم، لأن أولادها لا دخل لهم، ولأنهم يتعرضون للظلم منهم، وبعد أن أنهى الأولاد دراستهم بنجاح قررت إرسالهم إلى أبيهم ـ الذي لم يتحمل مسؤوليتهم من قبل أبدا ـ علما بأنها دائما تطالب بالبيت، لأنها الأقدر على تربية أبنائها، ولأنها كانت تربيهم على الإحسان وعلى الصلاة، والآن الأولاد عند أبيهم وهو لا يريد أن يثبت الطلاق في المحكمة وغير مقيم مع أولاده، فهم في سكن مع جدتهم وهو في سكن وحده ـ علما أنه لم يتزوج إلى الآن ـ وسؤالي: هل وقعت في الزنا مع هذا الزوج بعد الطلاق في الحيض؟ أم ماذا؟ وهل علي إثم في تركي لأطفالي مع أبيهم ليتحمل نتيجة تهوره؟ علما بأنني أرسل له رسائل توضح له ما خفي عليه من أمور الأطفال أو ترشده إلى بعض الأمور التي تخصهم فهل علي إثم في ذلك؟ وماذا أفعل في إثبات الطلاق؟ وهل أرفع قضية عليه؟ علما بأنني لا أحب أن أجرحه، ولكن لا يعقل أن أبقى ـ هكذا ـ معلقة، وهل علي إثم من ناحية أطفالي إن أنا تزوجت؟ علما بأنني قد حاولت بقاءهم معي مع صعوبة ذلك، لكوني مضطرة للعمل، لأنفق على نفسي، لعدم وجود معيل.
الرجاء إفادتي وإرشادي إلى ما فيه خيري ديني ودنياي، علما بأنني أحاول الالتزام فعندي بعض الذنوب التي اقترفتها ـ والحمد لله ـ لم تصل إلى حد الكبائر، إلا أنني أغضب والدي أحيانا، لأنهما صعبا المراس.
ادعوا لي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فطلاق الرجل زوجته وهي حائض محرم بالكتاب والسنة وإجماع علماء المسلمين، وليس بين أهل العلم نزاع في تحريمه، وأنه من الطلاق البدعي المخالف للسنة، والسنة لمن أراد أن يطلق زوجته: أن يوقع الطلاق في طهر لم يمسها فيه، أو يطلقها حاملا قد استبان حملها.
فإن طلقها في حيضها، أو في طهر جامعها فيه، فهل يقع طلاقه أو لا يقع؟ اختلفوا في ذلك: فأكثر أهل العلم على أن الطلاق واقع مع تأثيم فاعله، وبه يقول الأئمة الأربعة ـ أصحاب المذاهب المتبوعة. وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى حرمة ذلك وعدم وقوع الطلاق, والراجح ـ المفتى به عندنا ـ هو قول الجمهور القائلين بوقوع الطلاق، وقد بينا وجه رجحانه في الفتوى رقم: 8507.
أما اتفاقهما على تثبيت الطلاق فلا ندري ما وجهه, فإن كان القصد من ذلك اتباع مذهب من قال بالوقوع، فهذا هو الصواب، لأنه هو الراجح، والعمل بالراجح واجب, جاء في فتح العلي المالك: فالعمل بالراجح متعين عند كل عالم متمكن، وإذا اطلع المقلد على خلاف في مسألة تخصه وفيها قول راجح بشهرة أو عمل أو غيرهما تعين عليه العمل على الراجح. انتهى.
وقد كان الواجب على الزوج إذ أوقع الطلاق في الحيض والتبس عليه الأمر أن يستفتي من يثق فيه من أهل العلم والدين ويعمل بفتواه.
ولا خلاف بين أهل العلم أن نفقة هؤلاء الأطفال وسكناهم واجبة على أبيهم، إذا لم يكن لهم مال خاص، أما إن كان لهم ما يخصهم من مال، فإن نفقتهم في مالهم الخاص، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 96764.
أما بخصوص سكنى أمهم: فالراجح من كلام أهل العلم هو وجوب سكنى الحاضن على من وجبت عليه نفقة المحضون إذا لم يكن لها مسكن خاص بها, وفي ذلك يقول ابن عابدين ـ الحنفي: والحاصل أن الأوجه لزوم أجرة المسكن على من لزمه نفقة المحضون، فإن السكن من النفقة، لكن هذا إن لم يكن لها مسكن، أما لو كان لها مسكن يمكنها أن تحضن فيه الولد ويسكن تبعا لها، فلا تجب الأجرة، لعدم احتياجه إليه. انتهى. وقال ـ أيضا: فينبغي أن يكون هذا توفيقا بين القولين، ولا يخفى أن هذا هو الأرفق للجانبين، فليكن عليه العمل. انتهى. ويقول ـ أيضا: القول بوجوب أجرة المسكن ليس مبنيا على وجوب الأجر على الحضانة، بل على وجوب نفقة الولد، فقد تكون الحاضنة لا مسكن لها ـ أصلا ـ بل تسكن عند غيرها، فكيف يلزمها أجرة مسكن لتحضن فيه الولد؟ بل الوجه لزومه على من تلزمه نفقته، فإن المسكن من النفقة. انتهى.
أما عن رفضه تثبيت الطلاق في المحكمة: فهذا يمكن علاجه بأن ترفعي الأمر إلى المحكمة لترى أمرها في ذلك. وقد كان الواجب عليك إذ امتنع الأب عن الإنفاق على أولاده وإسكانهم أن ترفعي أمرهم إلى المحكمة ليحكم عليه القاضي بذلك ويلزمه بالنفقة, لا أن ترسليهم إليه، لأن الحضانة في الأصل حق لك, فإذا تنازلت عنها لسبب ما، فإنها تنتقل إلى أمك ثم من بعدها على الترتيب المعروف في كتب الفقهاء والمذكور في الفتوى رقم: 6256.
إلا إذا كانوا قد تجاوزوا سن الحضانة، فلا حرج عليك حينئذ, وراجعي كلام أهل العلم في السن التي تنتهي إليها الحضانة في الفتوى رقم: 6256.
وفي النهاية ننبهك على أمرين:
الأول: لا حرج عليك في الزواج حتى وإن أدى ذلك إلى ترك حضانة الأطفال.
الثاني: عليك أن تمتنعي من مراسلة والد أطفالك، لأنها ذريعة للشر وفتح لأبواب الشيطان، وليكن التعامل معه في شأن مصلحة الأولاد بواسطة بعض النساء، إما من أرحامه ـ النساء ـ أو أرحامك ـ الرجال ـ أو نحو ذلك. وتراجع الفتويان: 24435 ، 65103.
والله أعلم.