السؤال
صاحب حق :
أنا منذ سنتين أتى إلي أخو صديقي يطلب مني مبلغا من المال و لم أعطه المبلغ إلا بعد سؤال صديقي عن أمانته فقال لي صديقي إن أخي أمين وصاحب حق وأنا كفيله وأعطيته مبلغا وبعد فترة رد لي مبلغا ومن ثم طلب مني مبلغا أكبر ولم أعطه إياه إلا بعد أن تكلمت مع صديقي وقال لي أنا كفيل ومرت الأيام وأنا أطالب بالمبلغ ويتهربون مني حتى إني هددت بالشكوى على أخي صديقي فقام صديقي بتوقيع سندات أمانة عوضا عن أخيه لكي لا أشتكي عليه وأتفاجأ بأن أخا صديقي هرب خارج القطر نصب على الناس بمبلغ كبير جدا وأصبحت أتوسل إلى صديقي برد المبلغ ووعدني كذبا على أن يدفع لي أقساطا شهرية تمدد إلى 36 شهرا ووافقت على ذلك ولكن لم يدفع لي نهائيا وهددته بالشكوى إلى القضاء بعد أن نفذت كل أساليب التوسل والواسطات ولكن يكذب علينا
في المحكمة رفعت عليه دعوة بأن سندات الأمانة هي حق مالي لي أعطيته لصديقي وهو اعترف بأن وقع لي على السندات ولكن قال للقاضي إن المبلغ الموجود في السندات هو ضمان من أجل أن لا أضع أخاه في السجن وإن المبلغ هو اتفاق بيني وبين أخيه على فوائد شهرية ولكن والله هذا لم يتم أبدا
سيدي :
قد يطلب مني القاضي حلفان اليمين بأن السندات هذه هي مال أخذه مني صديقي وليس أخاه وإن لم أحلف خسرت مالي .
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما دام صديقك قد كفل أخاه فيما أسلفته إياه، بل وأعطاك سندات على ذلك الدين فلا حرج عليك في مطالبته بسداده، لأن الكفالة بالمال هي أن يتعهد الكفيل بسداد المال عند تخلف المكفول عن السداد بموت أو عجز أو غيرهما، وقد كان ذلك، وإذا كان الوفاء إنما يلزم المقترض فقط لكن لصاحب الحق مطالبة الكفيل عند عجز المكفول أو امتناعه عن الأداء وتعذر الوصول إلى ما هو مطالب به، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الزعيم غارم. رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن. والزعيم هو الكفيل.
فإذا طالب صاحب الحق الكفيل فيلزمه الأداء، ويرجع هو بالدين على المكفول، فإذا كان المكفول قد أفلس فإن الدين يبقى في ذمته، حتى يتمكن من القضاء، قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: يطالبهما جميعا، أو يطالب أيهما شاء بالجميع، أو يطالب أحدهما ببعضه والآخر بباقيه، أما الضامن فلخبر الزعيم غارم وأما الأصيل فلأن الدين باق عليه. اهـ. وقال المواق في التاج والإكليل في شرح مختصر خليل: من المدونة قال مالك: من قال لرجل: بايع فلانا أو داينه فما بايعته به من شيء أو داينته به فأنا ضامن لزمه ذلك إذا ثبت مبلغه، وقال غيره: إنما يلزمه من ذلك ما كان يشبه أن يداين بمثله المحمول عنه ويبايع به. ابن يونس: وليس ذلك بخلاف. انتهى وقال ابن قدامة في المقنع: فلو قال: ضمنت لك ما على فلان أو ما تداينه به صح. انتهى. أي صح الضمان ولزم الضامن.
والكذب محرم لكن إن تعين وسيلة إلى وصول المرء إلى حقه وإلا ضاع منه فهو معذور فيه قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: ومنها: جواز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير، إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه. انتهى. وينبغي أن يلجأ إلى المعاريض والكنايات ففيها مندوحة عن الكذب.
والمعاريض هي: أن يذكر من الألفاظ ما يفهم منه السامع مراده، وهو يقصد غيره، فيصل إلى حقه دون أن يكذب، ولو حلف فحلف عند القاضي وورى أو نوى نية تخصص يمينه، فإن ذلك ينفعه ديانة أي فيما بينه وبين الله على الصحيح، فلا يأثم بها لكونه مظلوما، قال ابن نجيم في الأشباه والنظائر: وأما نية تخصيص العام في اليمين فمقبولة ديانة اتفاقا، وقضاء عند الخصاف، والفتوى على قوله إن كان الحالف مظلوما. انتهى وقال الكاساني: وأما إذا كان مظلوما فهو لا يقتطع بيمينه حقا فلا يأثم وإن نوى غير الظاهر. انتهى وقال الزركشي في المنثور: فإن حلفه الحاكم بالله تعالى فعلى نية الحاكم إلا في صورة وهي ما إذا كان مظلوما. انتهى. وقال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير: من تسلف من رجل مالا وقضاه له بغير بينة ثم قام صاحب المال وطلب المقترض بالمال فأنكره وقال لا شيء لك عندي فطلب أن يحلفه أنه ما تسلف منه فإنه يحلف له ما تسلف منه وينوي في قلبه سلفا يجب عليه الآن رده ويبرأ من الإثم ومن الدين.. فإن قلت اليمين على نية المحلف ونية المحلف أنه ما تسلف منه أصلا أعم من أن يكون السلف باقيا في ذمته يجب عليه الآن رده أم لا وحينئذ فمقتضاه أنه يأثم بتلك اليمين ولا تنفعه نيته وأجيب بأن اليمين هنا ليست على نية المحلف لكونها ليست في مقابلة حق باعتبار ما في نفس الأمر وقولهم اليمين على نية المحلف لا الحالف فيما إذا كان للمحلف حق في نفس الأمر. انتهى. وللمزيد انظر الفتويين التاليتين: 27641 ، 110429 .
والله تعالى أعلم