السؤال
قرأ الإمام في الركعة الأولى من صلاة الفجر سورة البقرة ابتداء من آية 214 إلى قوله تعالى:"لعلكم تتفكرون في آية 219، فركع. ثم قرأ الإمام في الركعة الثانية ابتداء من قوله تعالى: ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو في آية 219 إلى نهاية آية 221 من سورة البقرة، فركع الإمام. انتبه أن الإمام بدأ القراءة من نصف الآية في الركعة الثانية. واستدل الإمام بأن مسألة الخمر والميسر قد انتهت، وجاءت مسألة جديدة في الآية، فبدأ القراءة منها.
سؤالي:
1. هل يجوز قطع القراءة على قوله تعالى: لعلكم تتفكرون في آية 219 من سورة البقرة، خصوصا في الصلاة، مع أن قوله تعالى: في الدنيا والآخرة الآية من ضمن المعنى؟ وما الدليل؟
2. ما حكم بدء القراءة في الصلاة من نصف الآية كما في الحال المذكور سابقا؟ وما حكمه خارج الصلاة؟ وإذا كان جائزا، فما فائدة علم الفواصل في القرآن؟
3. في الحال المذكور، هل تصح الصلاة؟
فنرجو من فضيلتكم الإفادة.
ونسأل الله تعالى لكم التوفيق! وجزاكم الله خيرا!
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأمر في القراءة بعد الفاتحة واسع إن شاء الله، فمهما قرأ به الإمام بعد الفاتحة فقد أتى بأصل السنة، ولو ترك القراءة رأسا صحت الصلاة في قول الجماهير، ومن ثم تعلم أن صلاتكم جميعا صحيحة إن شاء الله ولا نقص فيها بوجه من الوجوه، قال النووي رحمه الله: يستحب أن يقرأ الإمام والمنفرد بعد الفاتحة شيئا من القرآن في الصبح، وفى الأوليين من سائر الصلوات، ويحصل أصل الاستحباب بقراءة شيء من القرآن. انتهى. وقال أيضا رحمه الله: فرع في مذاهب العلماء في السورة بعد الفاتحة: مذهبنا أنها سنة فلو اقتصر علي الفاتحة أجزأته الصلاة وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة وأحمد وكافة العلماء إلا ما حكاه القاضي أبو الطيب عن عثمان بن أبي العاص الصحابي. انتهى.
ونص كثير من الفقهاء على أن قراءة بعض الآية الطويلة يحصل به أصل السنة، قال في الفواكه الدواني: ثم بعد قراءة أم القرآن تقرأ بعدها على جهة السنية شيئا من القرآن ولو آية قصيرة كذواتا أفنان أو مدهامتان {الرحمن: 64} أو بعض آية طويلة كآية الدين. انتهى.
فإذا علمت بما قدمناه صحة الصلاة والحال ما ذكر، فاعلم أن ركوع الإمام عند قوله تعالى: لعلكم تتفكرون. لا حرج فيه، وذلك لأن المعنى تام والوقوف في هذا الموضع غير مشتمل على لبس ولا إيهام لمعنى فاسد، وقد بين علماء التجويد أن هذا النوع من الوقف يسمى بالوقف الحسن، وهو ما كان ما بعده متعلقا به لفظا ومعنى وكان الوقوف عليه يعطي فائدة ولا يحصل به معنى فاسد، قال صاحب الوجيز في علم التجويد مبينا حكم هذا الوقف: هو أي الوقف الحسن الوقف على كلمة تعلق ما بعدها بها، أو بما قبلها لفظا ومعنى، بشرط إفادته معنى يحسن السكوت عليه، ومن ثم سمي حسنا، كالوقف على لفظ "لله" من قوله تعالى: الحمد لله فهذه الجملة أفادت معنى، لكن ما بعد لفظ الجلالة متعلق به؛ لكونه صفة له.
حكمه: إن كان غير رأس آية مثل: "الحمد لله" حسن الوقف عليه، ولم يحسن الابتداء بما بعده، فمن وقف عليه وأراد الابتداء وصله بما بعده؛ لأن الابتداء بما يتعلق بما قبله لفظا قبيح. وإن كان رأس آية مثل: "العالمين" من قوله تعالى: الحمد لله رب العالمين حسن الوقف عليه، والابتداء بما بعده، وإن وجد التعلق، لأن الوقف على رءووس الآي سنة مطلقا، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ قطع قراءته آية آية. يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقف، ثم يقول: الحمد لله رب العالمين، ثم يقف، ثم يقول: الرحمن الرحيم، ثم يقف … إلى آخر الحديث وهذا الحديث أصل في هذا الباب، فظاهر هذا الحديث أن رءووس الآي يستحب الوقف عليها مطلقا.
وقال بعضهم في شرح هذا الحديث: هذا إذا كان ما بعد رأس الآية يفيد معنى، وإلا فلا يحسن الابتداء به، كقوله تعالى في سورة البقرة: لعلكم تتفكرون * في الدنيا والآخرة فإن تتفكرون رأس آية، لكن ما بعده لا يفيد معنى إلا بما قبله، فلا يحسن الابتداء بقوله: في الدنيا والآخرة بل يستحب العود لما قبله، والمذهب الأول هو المشهور عند غالب أهل هذا الفن. انتهى.
وبهذا التقرير يظهر لك أن ركوع الإمام على رأس تلك الآية لا حرج فيه، وأما ابتداؤه في الركعة التالية من أثناء الآية التي قبلها فهو وإن لم يكن لازما كما تقرر لكنه حسن عند بعض أهل التجويد، وإن كان الأفضل في حقه أن يبدأ من أول الآية دفعا للتشويش، والأمر كما رأيت واسع ولله الحمد، وأما فائدة علم الفواصل الذي هو علم الوقف والابتداء، فهو من أجل العلوم وأعظمها قدرا، ونحن إنما أجبنا عن سؤالك من خلال كلام أئمة هذا الشأن وتقريراتهم، فهذا العلم مما لا يستغني عنه متعلم القرآن.
والله أعلم.