السؤال
كما تعلم فضيلتك: عند رمي الجمرات يمشي الحاج من منى إلى مكان رمي الجمرات، وعند الوصول إلى مكانها تكون مكة أمام الحاج ومنى خلفه، فيذهب ويرمي عند الحوض، فتكون مكة على يده اليمنى ومنى على يده اليسرى، وقد فعلت ذلك مثل باقي الناس الذين يرمون الجمرات ـ رميت معهم ووقفت مثلهم ـ ولم يقل لي أحد ـ أبدا ـ اذهب إلى ظهر العمود حتى تكون منى على يدك اليمنى ومكة على يدك اليسرى، إلا أن بعض الحجاج ـ وهم قليل جدا ـ فعلوا ذلك، فسألت من معي، فقالوا إنهم مخطؤون، لأن الكل كان يرمي ومكة على يمينه ومنى على يساره، لكن أخيرا قرأت أنه من الخطإ عند رمي الجمرات عدم جعل مكة عن اليسار، ومنى عن اليمين فهل معنى ذلك أن رميي للجمرات كان خطئا، لأن مكة كانت على يميني ومنى على شمالي؟ وهل كل هؤلاء الحجاج الذين رميت مثلهم كانوا على خطإ؟ وهل علي دم ـ ثلاث شياه عن كل يوم من أيام الرمي ـ حيث إنني كنت متعجلا؟ وماذا أفعل الآن؟ علما بأنني رميت في الدور الأرضي.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأمر في هذا واسع ولا يلزمك شيء ـ إن شاء الله ـ ورميك صحيح ـ سواء جعلت مكة عن يمينك أو عن شمالك، وسواء استقبلت القبلة حال الرمي أو استقبلت الجمرة ـ إذ المقصود أن يتحقق الرمي.
فإذا كنت قد استوفيت العدد المأمور به من الحصيات، ووقعت الحصيات في المرمى المعتبر شرعا، فقد أجزأك الرمي وبرئت ذمتك، قال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ بعد ما بين أن السنة لمن يرمي الجمرة أن يجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه: وهذا في الوقت الحاضر قد يكون صعبا، وقد ذكرنا قاعدة نافعة: أن مراعاة ذات العبادة أولى من مراعاة مكانها، فإذا أتاها من الشمال كان أيسر، لعدم المانع من جبل أو عقبة، المهم أن ترميها من مكان يكون أيسر لك وأن يقع الحصا في المرمى. انتهى.
فإذا علمت هذا، وعلمت أن الرمي قد أجزأك إذا وقع على وجهه المعتبر، ولا يؤثر في ذلك المكان الذي رميت منه الجمرة، فاعلم أن الأفضل في هذه العبادة أن يجعل رامي الجمرة مكة عن يساره ومنى عن يمينه ـ إن أمكنه ذلك ـ لثبوت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم، جاء في الروض المربع مع حاشيته لابن قاسم: وندب أن يستبطن الوادي وأن يستقبل القبلة فتكون الجمرة عن يمينه، وعنه: يستقبلها، لما ثبت في الصحيحين وغيرهما: أنه صلى الله عليه وسلم كان يرميها من بطن الوادي، مستقبلا لها، البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، وفي لفظ: حتى إذا حاذى بالشجرة اعترضها.
وقال الشيخ: يرميها مستقبلا لها، يجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، هذا هو الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
وفي الصحيحين عن ابن مسعود: أنه انتهى إلى جمرة العقبة، فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع، وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
ولا تكون منى عن يمينه ومكة عن يساره، إلا وهو مستقبل للجمرة، وفيهما عنه: أنه استقبل الجمرة حالة الرمي، فهو السنة المتبعة. انتهى.
وننبهك إلى أن الرمي كله عبادة واحدة، فمن ترك رمي جميع الأيام لم يلزمه إلا دم واحد، قال ابن الهمام في فتح القدير: ترك رمي الجمار في كل الأيام يلزمه به دم واحد. انتهى.
والله أعلم.