الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ثبت في صحيح مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ... إلخ.
وعن معنى (اجتالتهم) يقول النووي: أي: استخفوهم فذهبوا بهم وأزالوهم عما كانوا عليه, وجالوا معهم في الباطل, كذا فسره الهروي وآخرون, وقال شمر: اجتال الرجل الشيء ذهب به, واجتال أموالهم ساقها, وذهب بها. شرح صحيح مسلم.
وأما زيادة: فمن أخذ بالتقوى... إلخ ، فلم نقف عليها لا في صحيح مسلم ولا في غيره.
وأما عن وجود الملائكة مع بني آدم فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون. متفق عليه. وانظر الفتوى رقم: 53491.
وأما قوله تعالى: فبصرك اليوم حديد {ق:22} فلا يلزم منه معاينة الملائكة أو الشياطين، وقد سبق تفسير المراد بذلك في الفتوى رقم: 26749.
وأما عن رؤية الميت للملائكة، أو للشياطين، فلا نعلم دليلا صريحا صحيحا على وقوع ذلك لكل أحد.
وقد أخرج أبو نعيم في الحلية بسند ضعيف عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احضروا موتاكم، ولقنوهم لا إله إلا الله، وبشروهم بالجنة ، فإن الحليم من الرجال والنساء يتحيرون عند ذلك المصرع، وإن الشيطان لأقرب ما يكون من ابن آدم عند ذلك المصرع ، والذي نفسي بيده؛ لمعاينة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف، والذي نفسي بيده؛ لا تخرج نفس عبد من الدنيا حتى يألم كل عرق منه على حياله والحديث ضعفه الألباني.
ولكن لا مانع من وقوع شيء من ذلك لبعض الناس، فقد ذكر ابن القيم في كتاب الروح: أن الملائكة تنزل على المحتضر وتجلس قريبا منه ويشاهدهم عيانا ويتحدثون عنده ومعهم الأكفان والحنوط إما من الجنة وإما من النار، ويؤمنون على دعاء الحاضرين بالخير والشر، وقد يسلمون على المحتضر ويرد عليهم تاره بلفظه تارة بإشارته وتارة بقلبه، حيث لا يتمكن من نطق ولا إشارة، وقد سمع بعض المحتضرين يقول أهلا وسهلا ومرحبا بهذه الوجوه... ثم ساق بعض الآثار في ذلك.
وقد نقل القرطبي عن أبي حامد الغزالي قوله: وربما كشف للميت عن الأمر الملكوتي قبل أن يغرغر فعاين الملائكة على حسب حقيقة عمله، فإن كان لسانه منطلقا حدث بوجودهم (التذكرة بأحوال الموتى)
وقال القرطبي أيضا: وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : حضرت وفاة أبي أحمد و بيدي الخرقة لأشد لحييه فكان يغرق ثم يفيق و يقول بيده: لا بعد، لا بعد، فعل هذا مرارا فقلت له: يا أبت أي شيء ما يبدو منك ؟ فقال : إن الشيطان قائم بحذائي عاض على أنامله يقول: يا أحمد فتني، وأنا أقول لا بعد، لا، حتى أموت.
قلت: وقد سمعت شيخنا الإمام أبا العباس أحمد بن عمر القرطبي بثغر الإسكندرية يقول: حضرت أخا شيخنا أبي جعفر أحمد بن محمد بن محمد القرطبي بقرطبة وقد احتضر فقيل له: قل : لا إله إلا الله فكان يقول : لا لا فلما أفاق ذكرنا له ذلك فقال: أتاني شيطانان عن يميني وعن شمالي يقول أحدهما: مت يهوديا فإنه خير الأديان والآخر يقول: مت نصرانيا فإنه خير الأديان فكنت أقول لهما: لا لا، إلي تقولان هذا ؟ وقد كتبت بيدي في كتاب الترمذي والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم: [ إن الشيطان يأتي أحدكم عند موته فيقول : مت يهوديا مت نصرانيا ] فكان الجواب لهما لا لكما.
قلت: ومثل هذا عن الصالحين كثير يكون الجواب للشيطان لا لمن يلقنه الشهادة. ا.هـ
وانظر الفتوى رقم: 9891.
وأما عن صيغ الاستعاذة الواردة في السؤال ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.
وقال تعالى: وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون {المؤمنون:97 ، 98}
وفي سنن أبي داود والنسائي عن أبي اليسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: اللهم إني أعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من التردي، وأعوذ بك من الغرق والحرق والهرم، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا، وأعوذ بك أن أموت لديغا. صححه الألباني.
وفي سنن أبي داود عن حيوة بن شريح قال: لقيت عقبة بن مسلم فقلت له بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم قال: أقط. قلت: نعم. قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان حفظ مني سائر اليوم. صححه الألباني
وأما صيغة: (بسم الله ذي الشأن عظيم البرهان وشديد السلطان) وكذلك صيغة: (ما شاء الله أعوذ بالله من الشيطان) وصيغة : (أعوذ بالله من إبليس واعوانه) فلم نقف على أي منها.
وأما صيغة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فقد ساق الألباني رحمه الله طرقا لها في إرواء الغليل وقال: فهذه طرق يدل مجموعها على ثبوت زيادة ( السميع العليم ) في الاستعاذة ا.هـ
وأما زيادة (أعوذ بالله من إبليس واعوانه) فلم نقف عليها.
وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نزل منزلا ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك. رواه مسلم.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قال حين يمسي ثلاث مرات: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره حمة تلك الليلة رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني. (الحمة: سم العقرب وشبهها).
وعموما فهذه الصيغ جميعها كلام طيب، فلا بأس بالاستعاذة بها، وإن كانت الاستعاذة بالصيغ المأثورة أولى من غيرها،كما لا ينبغي تقييد شيء منها بكونه ثلاث مرات إلا إذا دل الدليل على ذلك.
ونسأل الله أن يجزيك خيرا على حرصك على نشر الخير، ولكن عليك بالتثبت من صحة ما تنشر.
والله أعلم.