السؤال
أستغفر الله العظيم، فوالله لم يكن سؤالي كما تقول، فسؤالي واضح من الرسالة الأولى التي أرسلتها، وها أنا أعيد طرح السؤال، فهل يجوز لأبي تأجير طابقين من عمارة يمتلكهما لصالح بنك عادي ـ غير إسلامي في تعاملاته ـ علما بأنني أرفض الفكرة وقدمت النصح له، لكنه يقول إنه سيقوم بذلك من أجل سعادتي أنا وإخواني وأخواتي، والآن أستحيي من الضغط عليه خوفا من غضبه، علما بأنه قام بسؤال دار الإفتاء الأردنية مرتين، فمرة أباحوا ذلك، ومرة حرموه، ولذلك أرجو من الله أن تفيدونا من علمكم، فإن كان جوابكم أنه حرام ولا يجوز شرعا وقام بإتمام العقد، فهل يجوز لي أن أنتفع أنا وزوجتي وأولادي بما يعطيني إياه من نقود من هذا الإيجار؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يجوز لأبيك تأجير منزله أو بعضه لبنك ربوي يمارس المعاملات المحرمة، فقد نص الفقهاء ـ رضي الله عنهم ـ على أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وأن ما يوصل إلى الحرام يكون مثله، ونصوا ـ كذلك ـ على تحريم بيع العنب لمن يتخذه خمرا، وتأجير الدار لمن يستعملها في الحرام، لأن في ذلك إعانة على ما حرم الله تعالى. وروى ابن بطة: أن قيما لـسعد بن أبي وقاص في أرض له أخبره عن عنب أنه لا يصلح زبيبا ولا يصلح أن يباع إلا لمن يعتصره، فقال سعد: بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر، وأمر بقلعه.
قال ابن قدامة في المغني: وهذا الحكم في كل ما يقصد به الحرام؛ كبيع السلاح لأهل الحرب، أو لقطاع الطريق، أو في الفتنة، أو إجارة دار لبيع الخمر فيها، أو لتتخذ كنيسة أو بيت نار أو أشباه ذلك ـ فهو حرام، والعقد باطل. انتهى.
وبناء عليه، فإن أقدم والدك على ذلك الفعل المحرم ودفع إليك شيئا من تلك الأجرة المحرمة بعينها، فلا يجوز لك الانتفاع به، إلا إذا كنت فقيرا محتاجا إليه، لأنه مال محرم ولا يعطى إلا للفقير المحتاج.
وقد بينا متى يجوز دفع المال الحرام إلى القريب، ومتى يجوز لصاحبه الانتفاع به في خاصة نفسه، فانظر تفصيل ذلك في الفتويين رقم: 69570، ورقم: 131478.
وعليك نصح أبيك بالتي هي أحسن، وإن كان يريد إسعادك فليس ذلك سبيله، لأن سعادتك في سعادته ورضاك في نجاته من سخط الله في الدنيا وفوزه بدخول الجنة في الآخرة.
فبين له ذلك بحكمة وموعظة حسنة، كما يمكنك أن تدل عليه بعض الدعاة وطلبة العلم ومن له جاه ومكانة عنده للتأثير عليه، وصرفه عن ذلك الفعل، وإقناعه بتركه والكف عنه ـ إن كان قد أقدم عليه.
والله أعلم.