أنا أعيش في أسبانيا وفي أحد الأيام ذهبت إلى المكتبة العامة، وإذا بي وجدت شابا مغربيا في عمر 30 تقريبا، وقد كان يستمع إلى الموسيقى، وأنا أعلم آن الموسيقى حرام، أردت آن أخبره وأكلمه بهدوء إلا أنني شديدة الحياء، ففكرت مليا، وتبين لي أن أفضل شيء هو أن أكتب له كل ما أريد آن أقوله في ورقة وأخرجتها في الطابعة، و وقعتها باسم الداعية إلى الله، وفعلا أدعو إلى الله كلما سمحت لي الفرصة بذلك، كتبت له في 3 صفحات جميع الأحاديث والآيات وأقوال أئمة الأمة التي تدل على أن الغناء حرام، أعطيته الورقات وقلت له اقرأها، قال لي بكل سذاجة: هل غدا ستكونين هنا ؟ قلت له : أظن ذلك، كنت أظن أنه يريدني أن أوضح له امرا في الدين أو غيرها وفعلا ذهبت وكانت المفاجأة حينما وجدته يستمع إلى الموسيقى كسالف عهدها، كأنني لم أفعل شيئا، في الحقيقة ملأني الغضب لأنني أحسست أنني لم أصل إلى ما أردته، هممت بالمغادرة فقال لي، أأنت ذاهبة؟ قلت له ـ: نعم ، الوقت متأخر يجب علي العودة إلى البيت، وصعقتني الكهرباء عندما سمعت منه بعض الأسئلة مثل؛ كم عمرك؟ هل تدرسين؟ و في النهاية قال لي أريد أن أتعرف عليك أكثر، بمعنى يريدني له صاحبة، وأنا قلت له إنني لا أريد انتهاك محارم الله. والآن لدي سؤال، هل ما حصل أستطيع آن أستعمله كدليل لأن لا أنشر الدعوة؟ أم أتابع مسيري؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن المرأة في تعاملها مع الرجال الأجانب لها حدود يجب ألا تتجاوزها بحجة الدعوة أو حسن النية، فإذا التزمت هذه الحدود من غض البصر والالتزام الشرعي الساتر لجميع البدن وترك الاختلاط بالرجال وأمن الفتنة ونحو ذلك، ثم صادفت من يتلبس بمنكر من الرجال فحينئذ ينظر في الأمر، فإن وجد غيرها من الرجال من ينكر هذا المنكر وقام بذلك فعلا فقد سقط حينئذ وجوب الإنكار وكفيت مؤنة الحديث مع الرجال؛ لأن إنكار المنكر فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين.

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين، كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أو لا يتمكن من  إزالته إلا هو. انتهى.

أما إن لم يوجد غيرها وتعين عليها إنكار المنكر فحينئذ ينظر في الحال فإن غلب على ظنها السلامة من الفتنة بالرجال فقد وجب عليها التغيير في ضوء الضوابط المذكورة في الفتوى رقم: 124424.

أما إن خافت على نفسها فحينئذ تترك الإنكار لأنه لا يلزمها أن تهدي غيرها وتفتن نفسها، بل حفظ المرء لدينه مقدم على كل ما سواه.

وقد قدمنا في الفتوى رقم: 30695، أن الأولى ـ خصوصا في مثل هذه الأزمان ـ أن تقصر دعوة الرجال على الدعاة الرجال، ودعوة النساء على النساء الداعيات من النساء قطعا للفتنة وحسما للشر.

وراجعي ضوابط عمل المرأة كداعية في الفتوى رقم: 44541.

والله أعلم.