السؤال
الذي يصلي من غير وضوء أو على نجاسة أو مكان نجس، أو عجز عن استعمال الماء بعذر مثل سجن، مستشفى، أو الصلاة بالنجاسة في المستشفى بعملنا ولا يمكن غير ذلك، مرض معجز، عجز صحي إلا العقل، حرص الكافر في الأسر على أن يعجز المسلم من الصلاة إلا الإيماء .
وغير ذلك من العوائق دون استعمال الماء أو التيمم. هل يصلي على حاله؟ وإن كان الجواب بنعم. هل يعيد الصلاة فيما بعد أي في الحالة الطبيعية أم لا؟
أرجو التفصيل والإسهاب مع الأدلة إن أمكن .
مع جزيل الشكر والامتنان. وجزاكم الله عظيم أجره وخيره.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالقاعدة الكبرى التي تضبط لك هذا الباب وتزيل عنك اللبس فيه أن ما عجز عنه العبد فإنه يسقط عنه؛ لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ومن عجز عن شرط أو ركن ثم صلى حسب استطاعته لم تجب عليه إعادة الصلاة لأنه فعل ما أمر به كما أمر، ولأن الله لم يكلف عباده بالصلاة في يوم مرتين، وقد كرر شيخ الإسلام ابن تيمية هذا المعنى مرارا في كتبه المباركة واستدل عليه وأطال فيه، ونحن ننقل لك طرفا من كلامه تنضبط به هذه القاعدة.
قال رحمه الله: ومع هذا إن كان الجرح لا يرقأ مثل ما أصاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه يصلي باتفاقهم سواء قيل إنه ينقض الوضوء أو قيل لا ينقض، سواء كان كثيرا أو قليلا لأن الله تعالى يقول: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. {البقرة 286}. وقال تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم. {التغابن:16}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. وكلما عجز عنه العبد من واجبات الصلاة سقط عنه فليس له أن يؤخر الصلاة عن وقتها بل يصلي في الوقت بحسب الإمكان. انتهى.
وقال أيضا: وأصول الشريعة مبنية على أن ما عجز عنه العبد من شروط العبادات يسقط عنه كما لو عجز المصلى عن ستر العورة واستقبال القبلة أو تجنب النجاسة، وكما لو عجز الطائف أن يطوف بنفسه راكبا وراجلا فإنه يحمل ويطاف به. انتهى.
وقال أيضا رحمه الله: فما عجز عنه العبد من واجبات الصلاة سقط عنه قال الله تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم {التغابن:16}، وقال تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها {البقرة: 286}. لا تكلف نفس إلا وسعها. {البقرة: 233}. وقال لما ذكر آية الطهارة: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون. {المائدة: 6}. وقد روي في الصحيحين عن النبي أنه قال: إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
فالمريض يصلي على حسب حاله كما قال النبي لعمران بن حصين: صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب. وسقط عنه ما يعجز عنه من قيام وقعود أو تكميل الركوع والسجود ويفعل ما يقدر عليه فإن قدر على الطهارة بالماء تطهر، وإذا عجز عن ذلك لعدم الماء أو خوف الضرر باستعماله تيمم وصلى ولا إعادة عليه لما يتركه من القيام والقعود باتفاق العلماء، وكذلك لا إعادة إذا صلى بالتيمم باتفاقهم، ولو كان في بدنه نجاسة لا يمكنه إزالتها صلى بها ولا إعادة عليه أيضا عند عامة العلماء، ولو لم يجد إلا ثوبا نجسا فقيل يصلي عريانا وقيل يصلي ويعيد وقيل يصلي في الثوب النجس ولا يعيد وهو أصح أقوال العلماء.
وكذلك المسافر إذا لم يقدر على استعمال الماء صلى بالتيمم وقيل يعيد في الحضر وقيل يعيد في السفر وقيل لا إعادة عليه لا في الحضر ولا في السفر وهو أصح أقوال العلماء، فالصحيح من أقوالهم أنه لا إعادة على أحد فعل ما أمر به بحسب الاستطاعة، وإنما يعيد من ترك واجبا يقدر عليه مثل من تركه لنسيانه أو نومه كما قال النبي: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك. وقد أمر النبي من توضأ وترك لمعة لم يصبها الماء من قدمه يعيد الوضوء والصلاة. انتهى.
وقال أيضا في حكم صلاة فاقد الطهورين: إذا لم يقدر على استعمال الماء ولا على التمسح بالصعيد فإنه يصلي بلا ماء ولا تيمم عند الجمهور وهذا أصح القولين وهل عليه الإعادة على قولين:
أظهرهما: أنه لا إعادة عليه فإن الله يقول: فاتقوا الله ما استطعتم. {التغابن:16}، وقال النبي: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. ولم يأمر العبد بصلاتين وإذا صلى قرأ القراءة الواجبة. انتهى.
وبهذه النقول الضافية وغيرها كثير يتبين لك أن الواجب على المسلم أن يأتي بما قدر عليه من الشروط والأركان، فإن قدر على استعمال الماء وجب عليه وإن عجز انتقل إلى التيمم، فإن عجز صلى على حسب حاله ولا إعادة عليه على الراجح، وإن قدر على إزالة النجاسة من بدنه وثوبه والبقعة التي يصلي فيها وجب عليه ذلك، فإن عجز صلى على حسب حاله ولا إعادة عليه، وكذا إن عجز عن القيام لمرض أو خوف عدو أو إكراه فإنه يصلي قاعدا فإن عجز فعلى جنب فإن عجز أومأ بالصلاة إيماء ولا إعادة عليه.
والله أعلم.