حكم الهبة للزوجة وبعض الأولاد

0 300

السؤال

شيخنا الكريم قبل أن أتقدم بالسؤال أذكر مقدمة مختصرة حتى لا يتعجب من السؤال ويساء الظن بالسائل. فأنا مسلم ملتزم والحمد لله، درست في معهد إعداد الدعاة، وللأسف لي والد لا يمكن وصفه بالأب بكل معاني الكلمة، فلقد تركنا جل عمرنا وسافر من أجل تحقيق المال، وللأسف لم يستفد أحد منا من هذا المال(أنا وأختي وأمي) وكان شديد البخل، وكانت أمي تدبر حالنا من راتبها، ولقد زادت الهوة بيننا وبينه حتى انفصلت أمي عنه وذهبنا معها، ولقد حرصت أمي أن تدفعنا دفعا للقيام بواجب البر والصلة، ولكنه كان يزيد الهوة بيننا، ولقد كان يحب إخوته ويفضلهم علينا في كل شيء، وكذلك بنت أحدهم حتى إنه ألح علي للزواج منها، ولقد تعنتوا في طلباتهم طمعا فيما عند الوالد فتوقف مشروع الزواج، ولكنه عاد بعد فترة قام خلالها بإفساد محاولة أخرى من فتاة أخرى- نحسبها على خير- بالإلحاح علي لتكرار المحاولة مع بنت عمي حتى تم الزواج، وكان زواجا مشهودا له بالفشل قبل أن يبدأ، فهي أسرة سليطة اللسان شديدة الطمع، وكان دائما والدي في صف الزوجة ويستمع منها ويقلبها علي، ودائما يسيء إلي إذا غضبت، ولقد منعني من دخول شقتي في بيت له، ولقد باعها وأضاع مالي الذي أنفقته عليها، ومع ذلك أصبر وأحتسب، بل كان يسب أمي إذا غضبت زوجتي انتقاما مني، حتى إذا كانت النهاية وتم الطلاق قام بالتعدي علي وتقييدى حتى يتمكنوا من سرقة محتويات الشقة، لأنه يعلم أنه إذا لم يحضر معهم فلن يتمكن أحد من أخذ شيء بالقوة، فكان هو الحائط الذي يمنعني من المقاومة، بل كان هو المعتدي، ودائما ما توعدني بأن يتهمني لدى جهات الأمن حتى يضيع مستقبلي، ولقد اشترى لهذه البنت شقة فى منطقة فاخرة هي وأولادي مع حرماني من الأولاد، وقام بتوزيع ماله بطريقة ما زلت أجهلها ولكني علمت أنه قد أنهى هذه الأشياء عند المحامى مما يعد ضياعا لحقي وحق أختي، حتى ولو كان هذا المال سيؤول لأولادي، ولكنه ليس من حقهم، ولقد عقدت على أخرى بفضل الله.
وسؤالي الآن: هل يحق لي أن أكتب الشقة التي أسكنها (وهى كل ما لدي تقريبا بالإضافة إلى سيارة صغيرة) باسم زوجتي الجديدة وأولادي منها إذا قدر الله لنا ذرية حتى إذا ما مت لا يقوم أبي وأهل أبي بطردهم وتقسيم الشقة بين الكل (أولادى من مطلقتي وزوجتي وأولادي الجدد إن قدر لي) حيث إن أولادي الحاليين قد أخذوا ما ليس لهم، ولن يتورع أبي ولا طليقتي ولا أهلها فى طرد زوجتي أو هي وأولادها إن قدر ذلك، ولا تتعجب شيخى الكريم فإن أبي حتى الآن لم ير ابن أختي ولا يجيبها إن اتصلت به، بل لم يحضر عرسها علما بأنه من أحضر لها العريس، ولكنه عاد ورفضه لأن إحدى زوجات إخوته قالت إنه لا يصلح. أعلم أن القصة متشعبة ولكن أهم ما يعنيني هو حكم عدم العدل فى الميراث حفاظا على أشخاص ليس لهم ذنب إلا أنهم ارتضوني زوجا بكل هذه الظروف من التشرد؛ لأني في حالة وفاتي الآن فإن لأمي السدس ولأبي السدس، ولزوجتي الثمن فقط، والباقي للولد والبنتين. وهذا الثمن من ثمن الشقة والسيارة لا يكفى لتوفير حتى مسكن لهذه الزوجة. الرجاء سرعة الرد؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

 فقد أخطأ أبوكم -عفا الله عنه- وفرط في بعض حقوقكم كالنفقة، وإجبارك على الزواج من ابنة عمك رغما عنك وغير ذلك وهذا لا كله لا يجوز. أما النفقة فقد قال الله تعالى: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف. {البقرة:233}. وقال تعالى: لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله. {الطلاق:7}.

وروى البخاري أن هند بنت عتبة قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال عليه الصلاة والسلام: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف .

وقد أجمع العلماء على وجوب نفقة الزوجة على زوجها إذا كانا بالغين ولم تكن الزوجة ناشزا وعلى أولاده الأطفال الذين لا مال لهم.

يقول ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه العلم أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذي لا مال لهم.

وقد كفلت الشريعة للإنسان أن يتزوج بمن يشاء ما دام ذلك في حدود ضوابط الشرع، ولا يجوز لأحد أن يقهره على نكاح من لا يريد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وليس للأبوين إلزام الولد بنكاح من لا يريد فلا يكون عاقا كأكل ما لا يريد. انتهى.

ولكنا نقول مهما كان من حال والدكم أو إساءته إليكم فإن ذلك لا يبيح لكم عقوقه والتقصير في بره، فقد أمر الله سبحانه بمعاملة الوالدين بالأدب والرفق والتواضع والتوقير. قال تعالى: فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما*واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا. {الإسراء:24}.

قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: وقل لهما قولا كريما. أي لينا لطيفا مثل يا أبتاه ويا أماه من غير أن يسميهما ويكنيهما، قال عطاء: وقال ابن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله وقل لهما قولا كريما ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ. انتهى.

أما ماله فهو ملك له، وحقه أن يتصرف فيه كما يشاء، ولكن لا يجوز له أن يهدره عمدا بنية حرمانكم منه، فهذا لا يجوز لما فيه من قصد الإساءة والإضرار، فإن فعل فحسابه على ربه، وليس عليكم إلا بره والقيام بحقه.

وأما تخصيص أحفاده ببعض الهبات دون بعض فمحل خلاف بين أهل العلم، سبق بيانه في الفتويين: 112206،  77744.

أما كتابتك بعض أملاكك لزوجتك الثانية وأولادك منها دون أبناء الأولى فهذا له حالتان:

 الأولى: أن تهب لهم هذه الأشياء في حياتك وتملكها لهم بحيث يتم القبض من قبلهم، فهنا تعتبر هبة وعطية وهذه الأصل فيها المنع في حق الأولاد لأن الأب مطالب بالعدل بين أولاده لحديث: اتقوا الله وأعدلوا في أولادكم. رواه البخاري ومسلم. لكن إن وجد لها مسوغ شرعي كفقر بعض الولد أو مرضه ونحو ذلك فلا حرج في ذلك.

جاء في المغني: فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة، أو زمانة، أو عمى أو كثرة عائلة، أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل، أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك. انتهى.

الثانية: أن يكتب الأب أو الأم بذلك كتابا ويضيفه إلى ما بعد موته فهذه تعد وصية لوارث، وهي وصية باطلة ما لم يجزها الورثة لحديث: لا وصية لوارث. رواه أحمد.

ويشترط في نفاذ إجازة الوصية أن يكونوا بالغين رشداء.

وعليه، فإنا نرى جواز أن تهب من مالك لزوجتك هذه ولأولادك منها في حياتك ما داموا في حاجة لذلك، مع استغناء الباقين بما يهبه لهم جدهم. أما إضافة ذلك لما بعد الموت فهي غير جائزة لأنها وصية لوارث.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة