السؤال
رجل أعطى ستة مساكين قيمة الفدية كل منهم ثمن: ثلاث كيلو ونصف الكيلو من الأرز ـ في بلده ـ مصر ـ بعد أن رجع من الحج، لأنه نزع بعض الشعرات وهو محرم، فقال له رجل يفتي الناس بأن ذلك لا يصح، لأنه يجب عليه إطعامهم في الحرم، فماذا يفعل الآن؟.
رجل أعطى ستة مساكين قيمة الفدية كل منهم ثمن: ثلاث كيلو ونصف الكيلو من الأرز ـ في بلده ـ مصر ـ بعد أن رجع من الحج، لأنه نزع بعض الشعرات وهو محرم، فقال له رجل يفتي الناس بأن ذلك لا يصح، لأنه يجب عليه إطعامهم في الحرم، فماذا يفعل الآن؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد: فاعلم أن من ارتكب محظورا من محظورات الإحرام ـ كالحلق أو نحوه ـ عليه الفدية، وهي على التخيير ـ بين ذبح شاة وصيام ثلاثة أيام وإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع. واعلم أن الواجب في الإطعام: هو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، ولا يجزئ دفع قيمة الطعام إليهم لظاهر الحديث، فقد قال الله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك { البقرة:196}. وبين النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة ما أجملته الآية، فقال ـ كما ثبت في الصحيحين وغيرهما: انسك شاة أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع. ونصف الصاع هو ما يساوي: كيلو ونصف تقريبا. واختلف العلماء هل يجزئ الإطعام خارج الحرم؟ فأجاز ذلك الحنفية والمالكية، ولم يجزه الشافعية، بل اشترطوا أن يكون الإطعام لمساكين الحرم ووافقهم الحنابلة، إلا أنهم استثنوا ما إذا كان فعل المحظور خارج الحرم فيجزئ، حيث وجد سببه. وأما الصيام: فيجزئ في كل مكان باتفاقهم، قال في ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق: وأطلق في التصدق والصوم فأفاد أن له التصدق في غير الحرم وفيه على غير أهله، قال في المحيط: والتصدق على فقراء مكة أفضل، وإنما لم يتقيد بالحرم لإطلاق النص بخلاف الذبح، لأن النسك في اللغة الدم المهراق بمكة، ويقال للمذبوح لوجه الله تعالى، ويقال لكل عبادة، ومنه قوله تعالى: إن صلاتي ونسكي {الأنعام 126 }. كما في المغرب انتهى. وقال صاحب التلقين من المالكية: وما يوجب الفدية من ذلك فيوجبها عمدا وسهوا أو اضطرارا وجهلا، والفدية الواجبة به ثلاثة أنواع: صيام وصدقة ونسك مخير فيها غير مرتبة، فالصيام: ثلاثة أيام يستحب تتابعها، والإطعام: ستة مساكين مدين، والنسك: شاة، وليس لشيء منها مكان مخصوص. انتهى. وقال الشربيني الشافعي في الإقناع: وكلها - أي الدماء الواجبة في النسك - وبدلها من الطعام يختص تفرقته بالحرم على مساكينه، وكذا يختص به الذبح إلا المحصر فيذبح حيث أحصر ـ كما مر ـ فإن عدم المساكين في الحرم أخره ـ كما مر ـ حتى يجدهم، كمن نذر التصدق على فقراء بلد فلم يجدهم. انتهى. وقال الحجاوي الحنبلي في زاد المستقنع: وكل هدي أو إطعام لمساكين الحرم، وفدية الأذى، واللبس ونحوهما، ودم الإحصار حيث وجد سببه ويجزئ الصوم بكل مكان. انتهى. ولا يجوز إخراج القيمة في الكفارات عند الجمهور، وأجاز الحنفية إخراج القيمة في الكفارات كلها: جاء في الموسوعة الفقهية: وقد أجاز الحنفية والمالكية التمليك والإباحة في الإطعام، وهو رواية عن أحمد، وأجاز الحنفية منفردين الجمع بينها، لأنه جمع بين جائزين والمقصود سد الخلة، كما أجازوا دفع القيمة سواء أكانت مالا أم غيره. انتهى. وبه يتبين لك أن ما فعله هذا الرجل من دفع القيمة لمساكين خارج الحرم مجزئ عند الحنفية، ولو أراد الخروج من الخلاف ـ وهو أحسن ـ فصام ثلاثة أيام أجزأه ذلك، ولو أراد الإطعام أجزأه أن يدفع ثلاثة آصع من طعام لستة مساكين لكل مسكين نصف صاع وبرئت ذمته بذلك عند المالكية والحنفية، ولا يكون آتيا بما وجب عليه عند الشافعية والحنابلة حتى يدفع هذا الطعام إلى مساكين الحرم، إلا إن كان قد ارتكب المحظور خارج الحرم، فإنه يجزئه الإطعام حيث ارتكب المحظور عند الحنابلة ـ كما مر. والله أعلم.