المفضول قد يصير فاضلا لمصلحة راجحة

0 301

السؤال

إمام مسجد(صغير بالسن ) وهو طالب إعدادية إسلامية .. تكلم بعد صلاة العشاء مع المصلين عن مكان وضع اليدين بعد الركوع ، وأشار الى حديث وائل بن حجر ، ثم رأي الإمام أحمد وبعض الأئمة ، وترك المصلين بدون رأي ثابت ، حتى هو لا يضع يديه على الصدر بعد الركوع ، فأشار إليه أحد المصلين من كبار السن ، ولديه من العلم الشيء القليل ( وكان يرتقي المنبر وهو إمام الجماعة في رمضان قبل مجيء هذا الإمام الجديد) أشار اليه أن هذا الأمر ما كان ينبغي أن يعرض على العامة بهذا الشكل وبهذه الصورة ، لاسيما أن هناك بعض الصبيان المتشددين الذين يكفرون ويفسقون الناس على أهوائهم بالمسجد ، بسبب هذا الموضوع ، وقال له إنك بهذه الطريقة ستسبب إثارة الفتنة وتعطي الحق للشباب أن يتجاوزوا على الكبار .. خاصة أن هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء ، فلا يجوز نشر مسألة لازال الفقهاء مختلفين فيها لكي لا تعظم ، وأن جميع أهل هذه الديار لم يعتادوا عليها لأنها ظهرت مؤخرا، وأن عدد الذين يفعلونها بالمسجد خمسة أو ستة مصلين شبابا وصبيان، فإذا به ينزعج ويتدخل معه جهلة القوم ويثورون على الرجل وكأنه منع سنة من السنن. وقاطعوه ولم يسلموا عليه بعد تلك الحادثة. ولا نريد أن نطيل.
السؤال :أيهما على حق ، الرجل الكبير صاحب المنبر الأول ( وهو موظف متقاعد ) أم هذا الإمام الصغير بالسن بحيث توه دخل العشرين سنة لأن دائرة الأوقاف عينته إماما للمسجد؟؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمثل هذه الأمور تختلف بحسب واقع الناس ومدى قبولهم ومستوى علمهم وفقههم في دينهم، فقد يحسن طرح مسألة في مكان ويسوء في آخر، وقد يجمل بالمرء أن يسكت في موضع ويقبح به في غيره، ويعتمد ذلك على تقدير المصالح والمفاسد، وميزان المضار والمنافع، وأصل هذا هو الفقه في الدين ومراعاة الهدي النبوي في مراتب المسائل ومقاصد الشرائع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع. اهـ.

وقال أيضا: السيئة تحتمل في موضعين: دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها .. وذلك ثابت في العقل؛ كما يقال: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين. اهـ.

وقد طبق شيخ الإسلام هذا الميزان في عدة مسائل من جنس المسألة المذكورة في السؤال، فقال رحمه الله: ما اتفق العلماء على أنه إذا فعل كلا من الأمرين كانت عبادته صحيحة ولا إثم عليه، لكن يتنازعون في الأفضل وفيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، ومسألة القنوت في الفجر والوتر والجهر بالبسملة وصفة الاستعاذة ونحوها من هذا الباب ... ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف كان قد أحسن. اهـ.

وقال أيضا: قد استحب أحمد أيضا لمن صلى بقوم لا يقنتون بالوتر وأرادوا من الإمام أن لا يقنت لتأليفهم، فقد استحب ترك الأفضل لتأليفهم .. وهذا كله يرجع إلى أصل جامع: وهو أن المفضول قد يصير فاضلا لمصلحة راجحة. اهـ.

وأما بخصوص مسألة القبض والإرسال بعد الركوع، فهي من المسائل الفرعية، ومن سنن الصلاة وآدابها، لا من واجباتها عند جميع أهل العلم، فلا ينبغي أن تكون مثل هذه المسألة وسيلة للنزاع والخصومة بين المسلمين، فمن قبض فلا حرج عليه، ومن أرسل فلا حرج عليه. وقد ذهب عامة الفقهاء المتقدمين والمعاصرين إلى أنه يرسل يديه بعد الركوع، وذهب بعض أهل العلم إلى القبض، وذهب بعضهم إلى التخيير، كما قال المرداوي في (الإنصاف): قال الإمام أحمد: إذا رفع رأسه من الركوع إن شاء أرسل يديه، وإن شاء وضع يمينه على شماله اهـ. وراجع ذلك في الفتوى رقم: 14840.

ولذلك فإننا نوصي كلا من الإمام والمأمومين بالرفق والائتلاف وجمع الكلمة وسلامة الصدر، ولا سيما والمسألة محل النزاع كما قد علمتم، لا مجال فيها للإنكار والتشنيع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة