السؤال
جاءني وسواس وحياتي أصبحت نكدة بسبب الحرام، ولي عدة أسئلة في نفس الموضوع:
أمي تعمل وكيلة بالمدرسة وتأخذ راتبا، المهم أحيانا تمضي وتمشي، وأحيانا -والغالب- تقعد في المدرسة وأنا لا أعرف هل تؤدي شغلها كما ينبغي أم لا؟ وهل فلوسها حرام أم لا؟ وأبي نفس المشكلة هو مدير مدرسة وأعتقد أنه يشتغل بشكل جيد، أحيانا يخرج مبكرا نصف ساعة، ويخرج بعض المدرسين مبكرا أيضا أو يمضي لهم في أيام، وأيضا وهي المشكلة الكبرى أنه تم في مصر امتحان يسمى الكادر لزيادة المرتب أكثر من الضعف وهو غش فيه ونجح، وأناس آخرون فعلوا ذلك، علما بأن أمي لم تفعل ذلك على حسب ما قالت. هل يلزمني أن أتأكد من كونها غشت أم لا؟ إذا كان مال أبي حراما وجزء يسير فيه حلال هل يجوز الأخذ منه للترفيه أو لابد أن يكون الأخذ على قدر الحاجة مثلا أشتري كمبيوتر محمولا أو أذهب في رحلة أو أتبرع. أرجو الرد على كل الأسئلة لعلكم ترفعون عني النكد والحزن. أرجوكم لا أريد إجابة عامة أريد معرفة كل شيء أنا موسوس جدا؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن تحري الحلال مما يحمد عليه المرء، ولكن بشرط أن لا يصل إلى درجة التنطع والتكلف، ومن ذلك البحث والتفتيش عن مصدر مال لمسلم مستور أو مجهول الحال، فإن ذلك من التنطع المذموم، فما علم المسلم أنه حرام اجتنبه، وما لا يعلم فلا يبحث ولا يفتش عن مصدره، بل يبني الأمر على الأصل، وهو حل المال.
وما ذكر من حال الوالدين، من نحو الغش في امتحان (الكادر) المذكور، والانصراف من العمل قبل موعده، والتوقيع عن الغير ـ وإن كان لا يجوز، إلا إنه لا يصل إلى الحكم بحرمة مالهما، وعلى افتراض حرمة جزء منه فإن أغلبه على أصل الحل، والعبرة بالغالب. وقد قسم أهل العلم حائز المال الحرام إلى قسمين:
قسم يحرم التعامل معه والأكل عنده، وهو من كان كل ماله من الحرام الصرف.
وقسم اختلفوا فيه، وهو من كانت أمواله تضم الحلال والحرام، فمنهم من أباحه إذا غلب الحلال، ومنعه إذا غلب الحرام، ومنهم من انتهج فيه نهج الكراهة التنزيهية. والحق أنه ليس محرما قطعا، والقول بالكراهة التنزيهية محل نظر فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم -وهو اتقى الناس وأشدهم توقيا للحرام- كان يخالط الذين اختلط مالهم المحرم بمالهم المباح من يهود المشركين، كان يخالطهم بيعا وشراء ويقبل هداياهم ويأكل أطعمتهم.
وعلى أي من هذه الاحتمالات يبقى التعامل والاستفادة من مال الوالدين حلالا بفضل الله.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 7707، 6880، 69330.
ولا نرى التفصيل الذي يريده السائل مناسبا ولا مفيدا، لأن الموسوس إنما ننصحه بعدم الاسترسال مع وسوسته، بل ينبغي أن يعرض عنها، ويشغل نفسه بما ينفعها، وإلا آلت حاله إلى ما وصف السائل من النكد والحزن .. خاصة وأن الأسئلة التي سبق أن وردتنا من السائل تحمل نفس المرض (الوسوسة) في أبواب شتى بشكل واضح وخطير، ولذلك فإننا نؤكد على السائل أن يقبل نصيحتنا ويعرض عن هذه الوساوس التي تضره في دنياه ولا تنفعه في أخراه، فعليه أن يطرح هذه الأفكار عن نفسه ولا يسترسل معها، ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا، فإن الوسوسة مرض شديد وداء عضال، والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي، والضيق والحرج الشرعي.
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لأرشك أمرك، وأن يقيك شر نفسك.
والله أعلم.