حكم اعتقاد أن للنجوم تأثيرا على الأرض وغيرها من المخلوقات

0 449

السؤال

يتداول بعض الناس أن نجم سهيل له تأثير على الأرض، وأن من طلوعه دخول البرد، وأنه إذا نظر فيه الجمل سقط ميتا, وكذلك نجم الثريا بمجرد خروجه تحدث رياح قوية وتأثير بالأرض. فما قولكم تجاه ذلك أفيدونا ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد قال البخاري في صحيحه: باب في النجوم، وقال قتادة: (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح) خلق هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به. اهـ.

قال ابن حجر: وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عنه به، وزاد في آخره: "وأن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة: من غرس بنجم كذا كان كذا، ومن سافر بنجم كذا كان كذا، ولعمري ما من النجوم نجم إلا ويولد به الطويل والقصير والأحمر والأبيض والحسن والدميم، وما علم هذه النجوم وهذه الدابة وهذا الطائر شيء من هذا الغيب. اهـ.

 قال الداودي: قول قتادة في النجوم حسن، إلا قوله: "أخطأ وأضاع نصيبه" فإنه قصر في ذلك، بل قائل ذلك كافر. اهـ. ولم يتعين الكفر في حق من قال ذلك، وإنما يكفر من نسب الاختراع إليها، وأما من جعلها علامة على حدوث أمر في الأرض فلا. اهـ.

وبهذا يتبين الجواب على استفسار السائل، فنسبة شيء من الحوادث الأرضية كهبوب الرياح ونزول المطر إلى النجوم على أنها هي التي تؤثر في ذلك وتوجده، فهذا شرك أكبر، ونسبته لها على سبيل السببية شرك أصغر، وأما نسبته لها كظرف ووقت لا أكثر، فهذا لا بأس به، وراجع الفتوى رقم: 72163.

وجاء في (الموسوعة الفقهية): قسم الفقهاء علم النجوم إلى قسمين :

الأول: حسابي، وهو تحديد أوائل الشهور بحساب سير النجوم .. ولا خلاف بين الفقهاء في جواز ممارسة التنجيم بهذا المعنى.

الثاني: استدلالي، وقد عرف ابن عابدين هذا القسم بأنه علم يعرف به الاستدلال بالتشكلات الفلكية على الحوادث السفلية. وهذا القسم هو المنهي عنه إذا ادعى أصحابه أنهم يعلمون الغيب بأنفسهم منه، أو أن لها تأثيرا على الحوادث بذاتها؛ لخبر: "من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد" وخبر: "من صدق كاهنا أو عرافا أو منجما فقد كفر بما أنزل على محمد". أما إذا أسند الحوادث لعادة أجراها الله تعالى عند الوقت الفلاني فلا يأثم بذلك لخبر: "إذا أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك غديقة" أي: كثيرة المطر. وهي كاستدلال الطبيب بالنبض على الصحة والمرض. اهـ.

وهذا كحكم الاستسقاء بالأنواء، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 132607.

وبخصوص موضوع التنجيم فتفصيله يتضح من كلام الشيخ على الخضير في (شرح كتاب التوحيد) حيث قال: ينقسم التنجيم باعتبار موضوعه ومادته إلى قسمين:

1) علم التأثير.                                    2) علم التسيير.

والمقصود بالتأثير: هو تأثير النجوم على الحوادث، وهو أنواع:

النوع الأول: أن يعتقد أن النجم فاعل ومؤثر أي: أنه يخلق الأحداث، وهذا حكمه كفر أكبر بالإجماع. قال تعالى: { هل من خالق غير الله }. [فاطر: 3]. وهل هنا للاستفهام بمعنى النفي أي: لا خالق غيره، فهذا شرك في باب الربوبية.

الثاني: أن يستدل بحركات النجوم طلوعا وغروبا واجتماعا وافتراقا على الغيب، أي على ما سوف يحدث .. وهذا كفر وشرك أكبر؛ لأنه ادعاء لعلم الغيب  {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله}. [النمل: 65].

النوع الثالث: أن يعتقد أنها سبب والله الفاعل: فيجعلها سببا للحوادث، فإذا وقعت الحوادث نسب السببية إلى النجم. والفرق بينه وبين الذي قبله: أن الذي قبله إخبار لما سيحدث في المستقبل .. وأما هذا النوع فالحوادث وقعت ولكن يعلق سببيتها بالنجم .. وهذا القسم محرم ومن باب الشرك الأصغر.

النوع الثاني من علم التنجيم وهو: علم التسيير: وهو: الاستدلال بسير النجوم على المصالح المباحة. وهو ينقسم إلى نوعين:

النوع الأول: الاستدلال بالنجوم على المصالح الدينية، كالاستدلال بالنجم على القبلة، وعلى ثلث الليل الآخر، وعلى دخول أوقات الصلاة، فهذا حكمه فرض كفاية، ويستحب للمحتاج كمن أراد السفر أن يتعلمه، وهذا ليس محل نزاع.

النوع الثاني: الاستدلال بالنجوم على المصالح الدنيوية كالاستدلال بالنجوم على الجهات الأربع، وعلى الفصول الزراعية، وعلى فصول السنة إلى غير ذلك من المصالح الدنيوية. هذا النوع وقع الخلاف بين السلف في تعلمه على قولين، القول الأول: وهو قول قتادة ومن وافقه، أنه يكره تعلمه، ودليل قتادة: من باب سد الذريعة؛ لأن علم التنجيم قد ظهرت بداياته في عصره ... القول الثاني: هو قول الإمام أحمد ومن وافقه أنه يجوز، واستدلوا على الجواز بقوله تعالى: { وعلامات وبالنجم هم يهتدون }. [النحل: 16]. هذه الآية عامة في الاهتداء أي: يهتدون دنيا ودين، ويدل عليه أيضا الأصل؛ لأن الأصل الإباحة، ويدل عليه أيضا المصلحة، فإن فيه مصالح للناس. اهـ باختصار.

 وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 130086، 67912.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات