خطأ تسوية عبارة: جسم لا كالأجسام بعبارة: يد ليست كأيدينا

0 1119

السؤال

يستدل بعض الأشاعرة بما نسب للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: من قال إن الله جسم ليس كالأجسام فقد كفر. ويقولون هذا نفسه هو قول أهل السنة والجماعة مثلا بأن لله يدا ليست كالأيدي ...
فهل صح هذا النقل عن الإمام أحمد؟ وكيف نرد عليهم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأما نسبة هذا الكلام للإمام أحمد فلم نجده، إلا في ما ذكره الزركشي في تشنيف المسامع بجمع الجوامع عند شرح قول التاج السبكي "ليس بجسم" حيث قال: نقل صاحب الخصال من الحنابلة عن أحمد أنه قال: من قال: جسم لا كالأجسام كفر. اهـ.

ولم نجد ذلك في ما لدينا من كتب ورسائل الإمام أحمد، ولم نجده أيضا في ما جمعه الدكتور عبد الإله الأحمدي في كتابه: المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة.  ونظن أن أصل ذلك هو الخلط بين تكفير من يشبه الله بخلقه، وبين من يقول: جسم لا كالأجسام، فقد قال ابن حمدان الحنبلي في الباب الأول من نهاية المبتدئين في أصول الدين ص 31. وهو باب معرفة الله تعالى، قال: لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء، ومن شبهه بخلقه فقد كفر، نص عليه أحمد. وكذا من جسم، أو قال: إنه جسم لا كالأجسام. ذكره القاضي. اهـ.

فنقل نص الإمام في من شبه الله بخلقه، ثم فرع هو عليه حكم من قال العبارة المسؤول عنها، نقلا عن القاضي، والقاضي هو أبو يعلى الفراء الحنبلي، فإن له كتابا في إبطال التجسيم، وله أيضا كتاب إبطال التأويلات لأخبار الصفات ذكرهما عنه ابنه محمد في كتابه طبقات الحنابلة وقال: فأما الرد على المجسمة لله، فيرده الوالد السعيد بكتاب وذكره أيضا في أثناء كتبه فقال: لا يجوز أن يسمى الله جسما. قال أحمد: لا يوصف الله تعالى بأكثر مما وصف به نفسه. قال الوالد السعيد: فمن اعتقد أن الله سبحانه جسم من الأجسام وأعطاه حقيقة الجسم من التأليف والانتقال فهو كافر، لأنه غير عارف بالله عز وجل لأن الله سبحانه يستحيل وصفه بهذه الصفات، وإذا لم يعرف الله سبحانه وجب أن يكون كافرا. اهـ.

وبهذا يتبين أن هذا الحكم إنما هو لأبي يعلى، ذكره بعد أن نقل كلام أحمد، فاختلط على الناقل فنسبه للإمام أحمد.

ومما يؤيد ذلك أن القاضي قال في كتابه إبطال التأويل: قد أنكر أحمد التشبيه، فقال في رواية حنبل: المشبهة تقول: بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي، ومن قال ذلك فقد شبه الله بخلقه. اهـ. ولم يذكر العبارة محل السؤال.

وأما حكم هذه العبارة، فالصواب أن قائلها مبتدع وليس بكافر هكذا بإطلاق، ولذلك قيده القاضي في ما سبق نقله عنه بقوله: وأعطاه حقيقة الجسم من التأليف والانتقال فهو كافر.

وقد سبق لنا بيان أن الجسم من الألفاظ التي لم يأت في الكتاب ولا في السنة نفيها ولا إثباتها، والقاعدة في ذلك أن نمنع إطلاق اللفظ على أية حال، وأما المعنى فنستفصل من قائله، فإن أراد به معنى صحيحا وافقناه على ذلك المعنى الصحيح، ولم نوافقه على استعمال ذلك اللفظ، وراجع ذلك في الفتوى رقم: 120182.

والذي يعنينا هنا هو الكلام على تسوية عبارة: جسم لا كالأجسام بعبارة: يد ليست كأيدينا وسمع ليس كسمعنا ونحو ذلك مما يقول به أهل السنة المثبتون للصفات الخبرية. فلا شك في فداحة خطأ من حكم بهذه التسوية، فإن لفظ الجسم لم يثبت أصلا بوحي معصوم حتى نقول به، بخلاف اليد والسمع والبصر وغير ذلك مما ثبت كتابا أو سنة. ومن جهة أخرى فإن لفظ الجسم لفظ موهم، وهو عند كثير من أهل العلم مستلزم للحدوث، وقد جاء في عقيدة الإمام أحمد نفسه من روايتي أبي بكر الخلال وأبي الفضل التميمي ما يدل على ذلك، ففيها: وأنكر يعني الإمام على من يقول بالجسم، وقال: إن الأسماء مأخوذة بالشريعة واللغة، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على كل ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف، والله تعالى خارج عن ذلك كله، فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية، ولم يجئ في الشريعة ذلك، فبطل. اهـ.

ويتضح ذلك بلفظ شيء فإنه يجوز إطلاقه على الله لأنه لا يستلزم الحدوث، ومما قال الإمام أحمد في ذلك ما جاء في رده على الزنادقة والجهمية ومحاجته لهم حيث قال: قلنا: هو شيء؟ فقالوا: هو شيء لا كالأشياء. فقلنا: إن الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء. فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يؤمنون بشيء، ولكن يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرون في العلانية. اهـ.

وقال الكرمي في أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمشتبهات: قال المازري: وقد غلط ابن قتيبة في هذا الحديث يعني حديث الصورة فأجراه على ظاهره وقال: الله صورة لا كالصور. قال: وهذا كقول المجسمة: جسم لا كالأجسام، لما رأوا أهل السنة يقولون: الله تعالى شيء لا كالأشياء. والفرق أن لفظة شيء لا تفيد الحدوث ولا تتضمن ما يقتضيه، وأما جسم وصورة فيتضمنان التأليف والتركيب وذلك دليل الحدوث. اهـ.

وفي ما يتعلق بصفة الصورة لله تعالى نزاع مشهور بين أهل العلم بسبب اختلافهم في عود الضمير في الحديث، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 2359. وممن أثبتها القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات فقال بعد أن أثبت صفة الصورة لله تعالى: فإن قيل: فصفوه بالجسم لا كالأجسام؟ قيل: لا نصفه بذلك؛ لأن الشرع لم يرد بذلك، وهذا كما وصفته أنت بأن له نفسا وحياة، ولا نصفه بأنه جسم، وكذلك نصفه بأنه ذات وشيء ولا نصفه بأنه جسد. اهـ.

والمقصود أن نبين أن إطلاق الصفات الخبرية موقوف على مجيء النص، ولذلك سميت خبرية، وراجع في بيان ذلك الفتوى رقم: 133139.

وعلى أية حال فالتشبيه الممنوع هو نحو قول القائل: يد كيد، أو: يد كأيدينا. كما سبق عن الإمام أحمد، وأما قول: يد ليست كأيدنا. فليس فيها شيء محظور، بل هي الموافقة للتنزيل، حيث يجمع بين الإثبات والتنزيه، كقوله تعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. {الشورى: 11}.

 قال الإمام الترمذي في سننه: قال إسحاق بن إبراهيم يعني ابن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع أو مثل سمع، فهذا التشبيه. وأما إذا قال كما قال الله تعالى: يد وسمع وبصر، ولا يقول كيف، ولا يقول مثل سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيها، وهو كما قال الله تعالى في كتابه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. {الشورى: 11}.  اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: التشبيه الممتنع إنما هو مشابهة الخالق للمخلوق في شيء من خصائص المخلوق، أو أن يماثله في شيء من صفات الخالق. فإن الرب تعالى منزه عن أن يوصف بشيء من خصائص المخلوق، أو أن يكون له مماثل في شيء من صفات كماله، وكذلك يمتنع أن يشاركه غيره في شيء من أموره بوجه من الوجوه. اهـ.

وقال الهروي في منازل السائرين في بيان درجة معرفة الصفات والنعوت: هي على ثلاثة أركان، أحدها: إثبات الصفة باسمها من غير تشبيه، ونفي التشبيه عنها من غير تعطيل، والإياس من إدراك كنهها وابتغاء تأويلها. اهـ.

ومما قال ابن القيم في شرح ذلك: الله سبحانه ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فالعارفون به المصدقون لرسله المقرون بكماله: يثبتون له الأسماء والصفات، وينفون عنه مشابهة المخلوقات فيجمعون بين الإثبات ونفي التشبيه، وبين التنزيه وعدم التعطيل، فمذهبهم حسنة بين سيئتين، وهدى بين ضلالتين، فصراطهم صراط المنعم عليهم، وصراط غيرهم صراط المغضوب عليهم والضالين. قال الإمام أحمد: لا نزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة المشنعين. وقال: التشبيه: أن تقول يد كيدي تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة