0 545

السؤال

هل التعزير في كل معصية ؟ أم في المعاصي التي يمتد ضررها للغير ؟ هل هو واجب أم مستحب أم مشروع ؟ هل يسقط بالتوبة ؟ وهل هو الحل الأول أم آخر الحلول أقصد هل يمكن مثلا نصح العاصي برفق، وإذا لم يستجب يعزر هل هكذا أم كيف ؟ هل إذا شعر الإنسان بفرح لأن دولته لا تعزر العصاة هل يكفر ؟ وما السبيل للتخلص من هذا الشعور ، هذا وأرجو الرد قريبا جدا لأنني في حيرة من أمري....

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن التعزير مشروع في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة، سواء كانت حقا لله أو لعباده، وهو من اختصاص ولي الأمر أو نائبه، ولا يشرع لغيرهم من الناس إلا الزوج في تأديب زوجه الناشز، وولي أمر الصغير ومعلمه، فمن ارتكب معصية لله تعالى لا يلزم فيها حد شرعي ولا كفارة، فيعزره الإمام أو نائبه بحسب المصلحة عقوبة له وردعا لغيره عن المعاصي، والأصل في مشروعيته الكتاب والسنة قال تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا ‏‏{النساء:34}.

وقال صلى الله عليه وسلم: لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله. رواه البخاري.

و قال الإمام السبكي في الأشباه والنظائر: قاعدة: من أتى معصية لا حد فيها ولا كفارة عزر، كذا قال صاحب التنبيه وتبعه الرافعي والنووي وغيرهما. انتهى.

وفي شرح الدردير على مختصر خليل المالكي:. واعلم أنه لا يجوز لأحد تأديب أحد إلا الإمام أو نائبه أو السيد في رقيقه في مخالفته لله أو له أو الزوج للنشوز أو تركها نحو الصلاة إذا لم ترفع للإمام أو الوالد لولده الصغير أو معلما. انتهى.

وأما حكمه فقد اختلف فيه بين الوجوب والاستحباب فقد قال ابن فرحون في التبصرة: مسألة: قال القرافي الحدود واجبة الإقامة على الأئمة، واختلفوا في التعزير فقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله: إن كان لحق الله تعالى وجب كالحدود، إلا أن يغلب على ظن الإمام أن غير الضرب مصلحة من الملامة والكلام. وقال الشافعي رحمه الله هو غير واجب على الإمام إن شاء أقامه وإن شاء تركه. مسألة ويجوز العفو عن التعزير والشفاعة فيه إذا كان لحق الله، فإن تجرد عن حق آدمي وانفرد به حق السلطنة، كان لولي الأمر مراعاة حكم الأصلح بالعفو أو التعزير وله التشفيع فيه، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اشفعوا إلي ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء. اهـ.

وفي الموسوعة الفقهية: وقد حصل الخلاف في التعزير هل هو واجب على ولي الأمر أم لا، فمالك وأبو حنيفة وأحمد قالوا بوجوب التعزير فيما شرع فيه. وقال الشافعي: إنه ليس بواجب، استنادا إلى أن رجلا قال للرسول صلى الله عليه وسلم: إني لقيت امرأة فأصبت منها دون أن أطأها. فقال صلى الله عليه وسلم أصليت معنا؟ قال نعم: فتلا عليه آية: وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين . وإلى قوله صلى الله عليه وسلم في الأنصار. اقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم. وإلى أن رجلا قال للرسول صلى الله عليه وسلم في حكم حكم به للزبير لم يرقه: إن كان ابن عمتك، فغضب. ولم ينقل أنه عزره. وقال آخرون، ومنهم بعض الحنابلة: إن ما كان من التعزير منصوصا عليه كوطء جارية مشتركة يجب امتثال الأمر فيه. أما ما لم يرد فيه نص فإنه يجب إذا كانت فيه مصلحة، أو كان لا ينزجر الجاني إلا به، فإنه يجب كالحد، أما إذا علم أن الجاني ينزجر بدون التعزير فإنه لا يجب. ويجوز للإمام فيه العفو إن كانت فيه مصلحة، وكان من حق الله تعالى، خلاف ما هو من حق الأفراد. اهـ.

ويسقط التعزير بالتوبة كما قال عليش في شرحه على مختصر خليل المالكي: إن جاء فاعل معصية الله تعالى تائبا سقط تعزيره....اهـ.

ويدل لهذا منع التسلط على الناشز إذا أطاعت لقوله تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ‏‏{النساء:34}.

وثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلا أصاب من امرأة قبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله تعالى: وأقم الصلاة وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات {هود: 114}. فقال الرجل: ألي هذا يا رسول الله؟ قال: لجميع أمتي كلهم. متفق عليه.

وعن أنس رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أصبت حدا، فأقمه علي، وحضرت الصلاة، فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضى الصلاة، قال: يا رسول الله، إني أصبت حدا فأقم في كتاب الله. قال: هل حضرت معنا الصلاة؟ قال: نعم. قال: قد غفر لك. متفق عليه.

والطريق الأمثل هو التناصح مع العاصي حتى يتوب ويتعين هذا على من لا سلطة له ولا سلطان يساعده إذا رفع إليه أمر العصاة فيجب إنكار المعصية على فاعلها، وترهيبه بنصوص الوحي من فعلها، والتركيز على تقوية الإيمان وإصلاح القلوب، و الحديث معه عن الأسباب المعينة على خشية الله تعالى، واستشعار مراقبته، والإكثار من الحديث عن الآخرة والقبر والجنة والنار، والترغيب في تعلم الأحكام الشرعية، فان لم يتب يحاور ويجادل بالحسنى حتى يقتنع فان لم يقبل فانه يعزره السلطان أو نائبه.

فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل لا تزنوا لقالوا: لا ندع الزنا أبدا....

وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني.

وقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى: القلوب التي لها فهم وقصد تدعى بالحكمة فيبين لها الحق علما وعملا فتقبله وتعمل به. وآخرون يعترفون بالحق لكن لهم أهواء تصدهم عن اتباعه فهؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة المشتملة على الترغيب في الحق والترهيب من الباطل. والوعظ أمر ونهي بترغيب وترهيب كما قال تعالى: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به. وقال تعالى  يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا، فالدعوة بهذين الطريقين لمن قبل الحق ومن لم يقبله فإنه يجادل بالتي هي أحسن... اهـ.

وأما الفرح بعدم تعزير العصاة فلا يكفر به ولكن ينبغي التفصيل في شأنه، فمن فرح بسبب ما أنعم الله به عليه من الستر وعدم التعزير الذي يؤدي لفضحه فنرجو أن لا يكون عليه حرج في ذلك، ولاسيما إذا علمنا كما تقدم أن بعض العلماء لا يرى وجوب التعزير، وان كان فرحه بسبب حبه لتعطيل ما شرع الله من التعزير فهو محرم، ولا يحل لمسلم أن يفرح به بل يجب كرهه بالقلب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، رواه الإمام مسلم.

قال النووي في شرح صحيح مسلم: وقوله صلى الله عليه وسلم ولكن من رضي وتابع معناه ولكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت بل إنما يأثم بالرضى به أو بأن لا يكرهه بقلبه أو بالمتابعة عليه. اهـ.

ويخشى على من يفرح بعدم تعزير العصاة أن يكون ممن يحب شيوع الفواحش في المجتمع المسلم وهذا أمر خطير توعد الله عليه حيث قال سبحانه: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون {النور: 19}.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إن الله توعد بالعذاب على مجرد محبة أن تشيع الفاحشة بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة وهذه المحبة لا يقترن بها قول ولا فعل فكيف إذا اقترن بها قول أو فعل، بل على الإنسان أن يبغض ما أبغضه الله من فعل الفاحشة والقذف بها وإشاعتها في الذين آمنوا. اهـ.

وأما التخلص من هذا فيتم بالتوبة وبعد المسلم عن الفرح بما ذكر من مقارفة المعاصي، وأن يتذكر أن دين الله يجب الإيمان به كله، والرضى بأحكامه والسعي في تطبيقه وإقامته، وان يعلم أن ما حكم الله به هو العدل والرحمة والمصلحة، وأنه لا أحسن من الله حكما، ولا أعظم من رسوله بيانا، فلا يمكن أن يفرح بتعطيل حكم الله الذي تتحقق به مصالح الدارين، فقد قال الله سبحانه: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه {الشورى: 13}.

وقال: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما {النساء:65}.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به. أخرجه ابن أبي عاصم في السنة.

وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29077، 58415، 61536، 50153، 35321.

والله أعلم.

 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة