السؤال
كنت سألتكم مرة عن ترك شرط من شروط الصلاة جهلا، هل يجب فيه القضاء فأفتيتموني بالوجوب وأضفتم أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى عدم الوجوب فأخذت برأيه لأنه أيسر وهو ثقة ولم آخذ برأي الجمهور.
ومرة أخرى سألتكم عن نزول المني بالتفكر هل يفسد الصوم أم لا؟ فأجبتم أن الجمهور على أنه لا يفسد ورأي الإمام مالك أنه يفسد فأخذت برأي الجمهور لأنه أيسر.
وسألتكم مرة عن المذي إذا أصاب الثياب هل تنجس فأخذت بالرأي الذي يقول إنها لا تنجس.
وسألتكم عن الذي يصلي في ثوب نجس ناسيا هل يعيد فأخذت بالرأي الذي يقول لا يعيد.
هل أنا ممن يتتبع الرخص وبالتالي آثمة؟
وما معنى حديث ما خير رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما ذكرته من كوننا ذكرنا لك قولا بأن الثياب لا تتنجس بملاقاة المذي ليس صحيحا، فإن المذي نجس في قول الجماهير، بل قد حكي الإجماع على نجاسته، ولكن الخلاف في كيفية تطهير الثياب إذا أصابها المذي، والراجح الموافق للدليل هو أنه يكتفى فيها بالنضح ولا يجب غسلها وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وانظري الفتوى رقم: 50657، والفتوى رقم: 130304.
وأما عن مسألتك، فاعلمي أن تتبع الرخص مذموم كما دلت على ذلك عبارات العلماء من السلف والخلف، ونقل ابن عبد البر الإجماع على عدم جواز تتبع العامي للرخص، وتتبع الرخص إنما يذم إذا كان ديدنا وعادة للشخص، بحيث يأخذ بالأسهل في كل مسألة، وأما من أخذ بالأسهل في مسألة أو مسألتين أو نحو ذلك لحاجته لذلك فلا حرج عليه إن شاء الله،
جاء في شرح الكوكب المنير: "ويحرم عليه" أي: على العامي "تتبع الرخص" وهو أنه كلما وجد رخصة في مذهب عمل بها، ولا يعمل بغيرها في ذلك المذهب. "ويفسق به" أي: بتتبع الرخص. لأنه لا يقول بإباحة جميع الرخص أحد من علماء المسلمين: فإن القائل بالرخصة في هذا المذهب لا يقول بالرخصة الأخرى التي في غيره. قال ابن عبد البر: لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعا.
وقال عياض بن نامي السلمي في كتابه "أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله": وينبغي أن يعلم أن تتبع الرخص إنما يتحقق في شأن من هذا ديدنه في مسائل الخلاف. وأما من أخذ في مسألة أو مسألتين بالقول الأخف لحاجته إليه: فهذا قد اختلف في صحة عمله. انتهى،
وممن رجح جواز الأخذ بالرخصة عند الحاجة السبكي فقال رحمه الله: يجوز التقليد للجاهل والأخذ بالرخصة من أقوال العلماء بعض الأوقات عند مسيس الحاجة من غير تتبع الرخص، ومن هذا الوجه يصح أن يقال الاختلاف رحمة؛ إذ الرخص رحمة. انتهى.
فإذا كنت قد أخذت بالأيسر في هذه المسائل المعدودة لحاجتك إلى ذلك وكون القائلين بالرخصة من ثقات العلماء، والمسألة من مسائل الاجتهاد التي ليس فيها نص قاطع فنرجو ألا يكون عليك حرج في ذلك إن شاء الله، وقد قال سفيان رحمه الله: إنما العلم عندنا الرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد. ولكن ينبغي أن يقيد هذا بما ذكرناه فلا يكون اتباع الأسهل والأيسر لك دأبا وديدنا، فإن اتباع الأيسر لمجرد كونه الأيسر ليس هو المشروع على الراجح من أقوال أهل العلم، والمشروع للعامي إذا اختلفت عليه الفتوى أن يقلد أوثق الناس في نفسه.
وانظري لمعرفة أقوال العلماء فيما يجب على العامي فعله إذا اختلفت عليه الفتوى وبيان الراجح منها الفتوى رقم: 120640، وانظري لبيان معنى قول عائشة رضي الله عنها: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، الفتويين رقم: 132994، 128029.
والله أعلم.