سبيل التخلص من آفة الرياء

0 483

السؤال

كيف يمكننا التخلص من الرياء وخاصة في وقت الصلاة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد

فلا شك في كون الرياء من أخطر أمراض القلب، والنصوص في ذمه والتحذير منه وبيان إحباطه للحسنات كثيرة جدا، ولذلك كان جديرا بكل عاقل أن يبحث عن دواء لهذا الداء الخطير وأن يحرص على ألا يصاب به، قال أبو حامد الغزالي رحمه الله:  قد عرفت مما سبق أن الرياء محبط للأعمال وسبب للمقت عند الله تعالى وأنه من كبائر المهلكات وما هذا وصفه فجدير بالتشمير عن ساق الجد في إزالته ولو بالمجاهدة وتحمل المشاق فلا شفاء إلا في شرب الأدوية المرة البشعة وهذه مجاهدة يضطر إليها العباد كلهم. انتهى.

ونحن نسوق نقاطا مهمة يسيرة تعين على التخلص من الرياء إن شاء الله، وقد استفدنا أكثرها من كلام الغزالي رحمه الله فقد أجاد في هذا الموضع أيما إجادة، فمن الأمور المعينة على التخلص من الرياء ومعالجته: أولا: العلم بما يعقبه الرياء من العار والمذمة في الدنيا والآخرة فمن علم عاقبة الرياء وأنه يورث الفضيحة على رؤوس الأشهاد يوم القيامة فمن راءى راءى الله به ومن سمع سمع الله به كما ثبت في الحديث، فإنه يسهل عليه دفع الرياء عن قلبه.

 قال أبو حامد: ومهما عرف العبد مضرة الرياء وما يفوته من صلاح قلبه وما يحرم عنه في الحال من التوفيق وفي الآخرة من المنزلة عند الله وما يتعرض له من العقاب العظيم والمقت الشديد والخزي الظاهر، حيث ينادى على رؤوس الخلائق يا فاجر يا غادر يا مرائي أما استحييت إذا اشتريت بطاعة الله عرض الدنيا وراقبت قلوب العباد واستهزأت بطاعة الله وتحببت إلى العباد بالتبغض إلى الله وتزينت لهم بالشين عند الله وتقربت إليهم بالبعد من الله وتحمدت إليهم بالتذمم عند الله وطلبت رضاهم بالتعرض لسخط الله أما كان أحد أهون عليك من الله فمهما تفكر العبد في هذا الخزي وقابل ما يحصل له من العباد والتزين لهم في الدنيا بما يفوته في الآخرة وبما يحبط من ثواب الأعمال مع أن العمل الواحد ربما كان يترجح به ميزان حسناته لو خلص فإذا فسد بالرياء حول إلى كفة السيئات فترجح به ويهوي إلى النار فلو لم يكن في الرياء إلا إحباط عبادة واحدة لكان ذلك كافيا في معرفة ضرره. انتهى.

ثانيا: أن يعلم أن إرضاء جميع الناس من الأمور الممتنعة، وأن الذي ينفعه هو أن يجعل الهموم كلها هما واحدا فلا يكون له مقصد إلا مرضاة ربه تعالى، قال الغزالي: رضا الناس غاية لا تدرك فكل ما يرضي به فريق يسخط به فريق ورضا بعضهم في سخط بعضهم ومن طلب رضاهم في سخط الله سخط الله عليه وأسخطهم أيضا عليه. انتهى.

ثالثا: أن يعلم أن الخلق كلهم عبيد مربوبون لا يفيده مدحهم شيئا ولا يضره ذمهم شيئا، بل هم مثله مفتقرون إلى الله تعالى في تحصيل مصالحهم ودفع الضر عنهم، والله وحده هو الذي يزين مدحه ويشين ذمه كما قال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن مدحي زين وإن ذمي شين، فقال: ذاك الله عز وجل.

قال في الإحياء: فأي خير لك في مدح الناس وأنت عند الله مذموم ومن أهل النار وأي شر لك من ذم الناس وأنت عند الله محمود في زمرة المقربين. انتهى.

رابعا: أن يستحضر الآخرة وما أعده الله فيها من الثواب للمصلين وأن يعلم أنه لا سبيل إلى تحصيله إلا بتجنب ضده وهو الرياء المذموم، قال أبو حامد رحمه الله: فمن أحضر في قلبه الآخرة ونعيمها المؤبد والمنازل الرفيعة عند الله استحقر ما يتعلق بالخلق أيام الحياة مع ما فيه من الكدورات والمنغصات واجتمع همه وانصرف إلى الله قلبه وتخلص من مذلة الرياء ومقاساة قلوب الخلق.

خامسا: الحرص على إخفاء ما بالعبد مندوحة عن إظهاره من العمل، فيحرص المسلم على أن تكون صلاته النافلة في بيته ما أمكن، ويحرص على إخفاء غير الصلاة من العبادات التي لم يندبه الشرع إلى إظهارها ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة، وكان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه.. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

سادسا: لزوم باب التضرع والإكثار من اللجوء إلى الله تعالى ودعائه أن يصرف هذه الآفة الماحقة عن القلب، وبخاصة هذا الدعاء الجليل الذي علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه. رواه أحمد في مسنده، وقد كان من دعاء عمر رضي الله عنه: اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا. ذكره عنه ابن القيم في الجواب الكافي.

سابعا: قراءة أخبار المخلصين وسيرهم فإن ذلك مما يبعث على التشبه بهم واقتفاء آثارهم،.

 وبعد فهذه بعض الأمور المعينة على التخلص من الرياء ومعالجته، عمدنا فيها إلى الاختصار إذ البسط لا تتسع له هذه الفتوى، وللمزيد من الفائدة حول الرياء وأسبابه وخطره وطرق علاجه نوصي بمراجعة كتاب مقاصد المكلفين للشيخ الدكتور عمر سليمان الأشقر فقد أجاد فيه وأفاد.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة